على هامش حادث الصيادين القطريين - محمد برهومة

mainThumb

29-04-2017 03:32 PM

 جاءت حادثة الإفراج عن الصياديين القطريين المختطفين في العراق لتقدّم صورة مكثفة عن تحولات وتعقيدات المشهد الإقليمي وتداخل ملفاته وتعدد اللاعبين وكثرة تناقضاتهم.

هُوية المختطفين، ومنهم شيوخ قطريون من آل ثاني، أكسبت العملية خصوصية كبيرة، وجعلتْ الإفراج عنهم صفقة إقليمية معقدة، دخلت في كواليسها الدوحة وطهران وبغداد ودمشق والكويت والرياض، وجهات حزبية ومليشيوية على رأسها «حزب الله» اللبناني وحركة النجباء و «حزب الله» العراقي وحركة أحرار الشام و «جبهة النصرة». وبعض المختطفين من عائلات ممتدة (آل المري) في قطر والسعودية والكويت، ولعل هذا كله يفسّر ضخامة المبالغ التي طلبها الخاطفون.
 
حادثة الإفراج اندغمت بقوة مع الملفات الإقليمية المشتعلة، وفي صدارتها الملف السوري، ولقد جاءت قضية المختطفين من منطقة في جنوب العراق تسيطر عليها ميليشيات شيعية، لتُسهّل الصفقة الأساسية المتعلقة بـ «صفقة البلدات الأربع: كفر والفوعة ومضايا والزبداني». واللافت أن أضعف الأدوار في هذه الصفقة كانت على ما يبدو من نصيب دمشق وبغداد. وليس بعيداً من هذه المعاني دخول «حزب الله» اللبناني قبل أيام على خط المواجهة الكلامية بين طهران وعمّان، عقب حديث الملك الأردني عبدالله الثاني إلى «واشنطن بوست» وانتقاده السياسات الإيرانية، حيث وجّه الحزب تهديداً غير مباشر للأردن بإمكان انتقال الإرهاب إليه.
 
دلالة ذلك كله تؤشر إلى الكثير مما قد يقال عن مفاهيم السيادة الوطنية وتقزّمها، وعن الحروب بالوكالة ودور الفاعلين من غير الدول المتعاظم في المنطقة، وصعوبات تعاطي الدول مع الجماعات والميليشيات المسلحة، وفشل الدولة الوطنية وتراجع الولاية العامة للحكومات، وتزايد العناصر التي تحدّ من قوة الدول، وتعقّد أدوار الوساطة والديبلوماسية، واشتداد الحاجة إلى أطر مؤسساتية قوية وفعالة للأمن الجماعي وتعزيز الاستقرار الإقليمي ومواجهة الإرهاب العابر للدول والوطنيات. بعض هذه الملفات همٌ دوليٌ، لكنها في منطقتنا أكثر إلحاحاً وضراوة.
 
والصحيح أنه لم تكن الديموغرافيا والجغرافيا والاجتماع والهويات (وبالتالي السياسة) في منطقتنا في أحسن أحوالها يوماً، كانت دوماً ثمة اختلالات وظلامات وسوء تقدير في تأسيس الدول والمجتمعات، لكنها اليوم في أشدّ حالاتها تأزماً، ولو سألتَ السوريين والعراقيين والليبيين والفلسطينيين واليمنيين... هل تعلمتم الدروس والعِبَر الكافية من تجاربكم الوطنية وحروبكم الداخلية المُرّة، التي، أي الدروس، ستعصمكم من ألّا تكرروا تلك الحروب مستقبلاً، لكانت الإجابة: لا، أو ليس بما فيه الكفاية!
 
إذاً، ليس كثرة الدم المُسال في ربوعنا العربية بكافية وحدها لنتعلّم الدروس، ونحلم بمستقبل مشرق لمنطقتنا، لأنّ ما يحقق ذلك أن نغدو بعد سيل الدماء الجارية أكثر حرية وأكثر إنسانية وأكثر عدالة وأكثر عقلانية. وللأسف لقد أخفقت الحكومات والمجتمعات على حدّ سواء في تحقيق ذلك... الإعمار.
 
 
* كاتب أردني.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد