أين المقاومة العراقية للاحتلال الإيراني؟ - حامد الكيلاني

mainThumb

16-11-2017 02:24 PM

 العراقيون واللبنانيون والسوريون واليمنيون أصبحوا يتبارون ويتسابقون في إطلاق مصطلحاتهم الوطنية لتعميم توقعات المصائب والمآسي القادمة على بلدانهم، فكثيرا ما طالعتنا بفترات الانزلاق التدريجي نحو هاوية الشحن الطائفي والحرب الأهلية تحذيرات من إعادة السيناريو اللبناني في العراق وكأن “اللبننة” عصا مستلة من دروس الحرب القاسية ترفع بوجه العراقيين أو غيرهم من شعوب المنطقة، ليعودوا إلى رشدهم وبصيرتهم في التراجع إلى خط التعايش بين المجموعات البشرية داخل الوطن الواحد.

المشروع الإيراني وزع صادراته إلى دولنا وشعوبنا وما عاد بالإمكان لأي عاقل أن يحذر من مصير أكثر ظلاما وقتامة للعراقيين أو السوريين مما هم فيه، فالتجارب الإيرانية لم تستثنِ دولة دون أخرى أو شعبا دون آخر بميليشياتها وأحزابها وسياساتها وإرهابها.
 
مهما تعددت الوسائل واختلفت إلا أن الحرب المذهبية تظل العنوان الأبرز لتنظيم دولة إيران الإسلامية وبه تحقق أهدافها العنصرية في تخريب العنصر الأهم من الإخاء المجتمعي الذي غاب تماما أو يكاد بامتداد الأدوات والمناهج الخاصة لهذا العنوان لما فيه من إغراءات عقائدية ونفسية عابرة عند بعضهم على الحدود الوطنية.
 
وحدة الموضوع في صادرات الإسلام السياسي لولاية الفقيه تلتقي مع نماذجها في المنطقة بما يوفر لها دعامات أخرى تقفز من خلالها إلى بيئات مذهبية واجتماعية مختلفة باستغلال المواقف أو بشراء الذمم اعتمادا على القاعدة الاستعمارية القديمة “فرق تسد” ولذلك يفاجأ النظام الإيراني أحيانا بأي ردة فعل صادمة، خاصة إذا كانت تعبيرا عن تضامن مجموعة دول أو منظمات أو شخصيات ضد مشروع ولايته.
 
غياب الموقف الدولي الفاعل والموحد تجاه النظام الإيراني لم تعد أسبابه خافية منذ بدء الأزمات الجوهرية بعد احتلال العراق. تتعدد الإستراتيجيات الدولية في منطقتنا لغايات جيوسياسية ولتضارب المصالح في صراع النفوذ على مناطق واسعة من العالم.
 
حلقات احتلال إيران للعراق اكتملت وتعدت إلى أداء الواجبات كجزء حيوي من أهداف الحرس الثوري وفيلق القدس، بعملية سياسية تبناها المحتل الأميركي، وتطورت إلى إبادة سياسية ساهمت في تدمير العراق وارتهان شعبه إلى أجندة إيرانية صارت عبئا عليه وعلى جيرانه العرب.
 
ذاكرة الانتخابات وحدها في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي تزرع الرعب في نفوس العراقيين وتزيد من إحباطهم، فالعنف والمزايدات الطائفية احتكار لأصوات الناخبين لكتل متنفذة غالبيتها بتوجهات إيرانية. الانتخابات المقبلة في يونيو 2018 مفتوحة على مصراعيها للطائفية وبجرعات لا تقبل المجاملة أبدا، فالوجه المعلن للاستبداد الطائفي تم إشهاره كبطاقة حمراء لطرد كل القوى السياسية العلمانية والليبرالية والوطنية خارج المعادلة في تهميش مبكر بالإيحاء أو بالإعلان أعقب الهيمنة المطلقة بإزاحة عرب العراق بالموت والإقصاء أو بالتدجين والترويع من مصير مماثل لما جرى لإخوتهم في الوطن والعروبة.
 
الأكراد بعد الاستفتاء وأحداث كركوك والتدخل الإيراني أصبحوا تلقائيا طرفا ثانويا وبعض أحزابهم استسلمت بإرادتها لعراق تابع للإرادة الإيرانية، وباتت تتصرف من منطلق إدامة حياة الناس في الإقليم وطوي صفحة الكبرياء والاعتزاز القومي، لكن رغم ذلك ثمة مقاومة سرية في إقليم كردستان ضد المشروع الإيراني قد تتبلور وتسفر عن عمليات قتالية لفصائل كردية مسلحة تستهدف الحشد الشعبي باعتباره ذراعا إيرانية أو قطعات عسكرية أخرى لتقارب مهماتها في المدن التي كانت ضمن ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها بما فيها كركوك.
 
هل سنشهد ثورة كردية على ما يعتبره الأكراد احتلالا إيرانيا لكركوك إثر سنوات من بسط نفوذهم عليها بعد هزيمة القوات العسكرية واحتلال تنظيم داعش للموصل؟ مقاومة كردية بإمكانها أن تكون قدوة لمقاومة عراقية على كافة الأصعدة ضد المشروع الإيراني في العراق والمنطقة.
 
تراجع القيم الإنسانية والوطنية عند الأحزاب الدينية الطائفية المعروفة بمناهجها حولت الإنسان إلى سلعة انتخابية في سوق التشريعات القانونية، كما حدث في انتقاء التعديلات على قانون الأحوال الشخصية الذي تجاوزته القوانين العراقية منذ أمد طويل، وتعاملت معه المجتمعات الإنسانية والدولية كقيم بالية من المستحيل الرجوع إليها بعد منجزات الفكر والتقدم وتراكم مفاهيم احترام حقوق الحياة.
 
زواج القاصرات فضيحة يشترك فيها داعش كتنظيم إرهابي مع ولاية الفقيه الإيراني كتنظيم أكثر إرهابا وبسلطات دولة تقوم بواجبات تكليف جماعاتها السياسية في اختبارات يراد منها في النهاية إرساء قواعد أحكامها وشريعتها ومدرستها المذهبية الخاصة دون أدنى اهتمام بنتائج طروحاتها التي تسري في المجتمع، كما لو أنها حالات تسمم جماعي من هول صدمة التخلف.
 
لذلك نتوجه إلى اعتبار التفاضل بين شخصية وأخرى منتمية إلى حزب الدعوة الحاكم مثلا والمثبت كحزب طائفي تم تجريب تبعيته لتنظيم دولة إيران الإسلامية بتعاليمها وفقه مرشدها، تفاضلا يقودنا إلى استمرار نهج السنوات العجاف في حكم العراق، مفاضلة غير ممكنة ولا علاقة لها بالتطبيق إلا في تغير الشخوص والوجوه التي تلتقي عند مرجعية تصرح علنا أن بغداد عاصمة مشروعهم الإمبراطوري الفارسي الطائفي. كم هو الخزي والعار عندما ينبه وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، حكام العراق أنهم عرب وليسوا فرسا.
 
اللبنانيون يقاومون تحويل لبنان إلى عراق آخر تحت سلطة حزب الله. ما الفرق بين الأحزاب الإيرانية التي أطاحت بحضارات العراق وسوريا واليمن، إنها تتوحد في صعود نبرتها وخطابها والتكشير عن أنيابها، ثم التهدئة وإعلاء نبرة الأوطان والدبلوماسية والدساتير، ثم ماذا؟ العرب بعد اليوم لا يمكن أن يلدغوا. إجماعهم وتضامنهم ضد الأطماع الإيرانية يعززان المواقف الدولية للخروج بقرارات حازمة وحاسمة باجتماعاتهم لا يتركوا فيها فرصة لإيران وما تخطط له، والتي يشير إليها أحد كبار قادة فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني المدعو إسماعيل قاآني أثناء لقائه بعدد من المقاتلين في الميليشيات الأفغانية العائدين من سوريا، بقوله “إن مشروعكم أكبر وأوسع حيث لا حدود لنشاطكم العسكري الديني”.
 
هذه الإشارة تؤكد إعادة انتشار الميليشيات الإيرانية في أكثر من دولة ومساحة لإثارة النزاعات والصراعات على أرض أفغانستان وباكستان مستغلة الأزمات المذهبية في الترويج لأهدافها بعد اكتساب الميليشيات المزيد من الخبرات في الحرب داخل الأراضي العراقية والسورية واليمنية، خبرات اكتسبها حزب الله والحشد الشعبي والميليشيات الحوثية وميليشيات فاطميون وزينبيون وغيرهم بالعشرات أو المئات، عدا عن توزعهم في الدول الأخرى كدعاة للطائفية ونشر التطرف المذهبي بوسائل دعائية ومدنية كخطوة على طريق التصعيد الأخطر.
 
العراق تم تقسيمه إنسانيا وطائفيا وفي عاداته وتقاليده وتراجع الاتصال الحضاري المشهود للعراقيين عبر تاريخهم، لذلك وحدته السياسية وبرامجه العسكرية وخداع الانتخابات لن تداري واقعا من صنع المشروع الإيراني، واقعا فرض تشبيه مصير الدول بالعراق أو لبنان أو سوريا أو اليمن كتهديد لما ينتظرها من تدهور في وقت كانت فيه تهيئ لبعضها جيوشا من مدد الأمل لشعوبها.
 
* نقلاً عن "العرب"


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد