عودة عراق الأمس - سعاد فهد المعجل

mainThumb

20-02-2018 08:57 AM

 حدثني صديق من العاملين والمسؤولين عن برنامج «إعادة إعمار غزة»، أن الكويت هي الدولة الوحيدة التي دفعت حصتها كاملة وفقًا للتعهُّدات الصادرة في مؤتمر إعادة إعمار غزة، وأن المهنية كانت سيدة الموقف من خلال إشراف الجهات الكويتية المعنية على مشاريع الإعمار في غزة.. وفي الواقع حديثه أسرني وأثار في نفسى فخرًا للجهود الكويتية تجاه أشقائها العرب.

في الأسبوع الماضي، استضافت الكويت مؤتمرًا آخر لإعادة الإعمار في دولة عربية شقيقة.. هذه المرة كانت إعادة إعمار العراق.. هذا المؤتمر الذي شاركت فيه أكثر من سبعين دولة ونحو 1850 شركة عالمية.. حيث طرحت بغداد أكثر من 157 مشروعًا استشاريًا أمام المشاركين للتعاقد على إنجاز مشاريع تغطي القطاعات الخدمية والصناعية والإسكان ومشاريع أخرى في مجالي النفط والغاز.
 
العراق دولة ثرية جدًا… وقد يكون من أكثر دول المنطقة ثراءً… لكن ما هدمته الحروب عبر أكثر من ثلاثة عقود وهمجية التيارات الأصولية ممثلة بداعش وغيره. جعل العراق اليوم بحاجة الى دعم مالي يقدر بمئة مليار دولار، وإلى الاستثمار في البنى التحتية والخدمات الأساسية للأطفال والأسر التي حظيت بأكبر نسبة من الدمار والألم.
 
إن ما تفعله الكويت وجميع الدول التي ستلتزم بحصصها في مشروع بناء العراق الجديد.. ينطلق حتمًا من مسؤولية جماعية لإعادة العراق إلى ما كان عليه وأفضل، ومثل هذه المشاريع لن تعود بالفائدة على العراق وحده، بل ستمتد حتمًا إلى سائر أرجاء المنطقة، فعراق مستقر وآمن هو بلا شك مفتاح مهم جدًا من مفاتيح استقرار المنطقة، لكن أمام العراق بشعبه، ولا أقول بساسته، مسؤولية عظيمة للتصدي لكارثة الفساد التي استفحلت في العراق بشكل غير مسبوق، مما قد يدفع الكثير من الدول إلى الامتناع عن التبرع بالأموال المطلوبة! هذه المسؤولية التي أصبح المواطن العراقي واعيًا لها، بدليل ما تشهده بغداد وسائر المدن العراقية من تظاهرات واجتماعات ضد الفاسدين وضد استمرار ارتفاع معدلات الفساد في العراق!
 
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، خرج مشروع «مارشال» إلى النور.. وهو المشروع الذي وضعه رئيس هيئة الجيش الأميركى لإعادة إعمار اوروبا، حيث جرى تخصيص ما يقارب الـ13 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق بكثير ما جرى تخصيصه للعراق مقارنة بتكلفة الإعمار قبل أكثر من سبعة عقود.. ولتحقيق الهدف آنذاك، فقد أُنشئت هيئة أقامتها حكومات غرب أوروبا سميت «منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي» للإشراف على إنفاق تلك الأموال في وجهتها الصحيحة. وبالفعل، فقد ساهمت هذه الأموال في إعادة إعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الأوروبية.
 
بعد عام 2003، عقد مؤتمر مدريد لإعادة إعمار ما خلفته الحروب من دمار على العراق، لكن مشاكل كثيرة واجهت ذلك المشروع، مثل تفشي الفساد وعدم كفاية التمويل وضعف التنسيق بين الجهات الراعية للمشروع آنذاك.. مشاكل نتمنى أن يكون قد وضعها مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق في حساباته، حتى لا تتحول مثل هذه المؤتمرات إلى مناسبات رسمية فيها من الوجاهة أكثر مما فيها من العمل الجاد، ولكي لا تتحول الأموال من إعمار للأرض وللمواطن العراقي.. لتصبح إعمارًا لجيوب المنتفعين وجوقة الفساد! بذلك فقط يعود عراق الأمس إلى دائرة النور.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد