إنذار أميركي كاذب حول الانتخابات العراقية - د. ماجد السامرائي

mainThumb

20-03-2018 03:14 PM

 إن مخاوف واشنطن عبر تصريح وزير دفاعها جيمس ماتيس من تدفّق الأموال الإيرانية لدعم الكتل الموالية لها في الانتخابات المقبلة لا تعني اختراع “العجلة”، بل تعبّر عن حالة إطلاق إنذارات كاذبة وإعلانات تأكيدية للاعتراف بالفشل الأميركي في العراق.

 
فدعم إيران المادي للموالين لها معروف، ولكن لا يتوقع لمثل تلك الأموال أن تُصرف من الخزينة الصافية لطهران، فالجهات الإيرانية الداعمة لديها وسائلها في عمليات “تدوير” الأموال العراقية سواء عبر كميات النفط الهائلة المهرّبة إلى الأراضي الإيرانية وباعتراف بعض الجهات العراقية المختصة وإعادة بعض تلك الكميات عبر منتجات نفطية تباع داخل العراق بأسعار باهظة، أو بالسيطرة على بعض الحقول النفطية الحدودية العملاقة، وكذلك ما شكت منه جهات رسمية عراقية من بيع إيران للغاز بأسعار تصل إلى أربعة أضعاف سعرها العالمي. وهناك كذلك مسألة غسيل الأموال داخل العراق والتي يذهب قسم منها إلى إيران.
 
وإذا ما افترضنا أن طهران تدفع أموالا لمواليها لدعمهم في الانتخابات فما هي مقاديرها؟ وحتى إن وصلت إلى 200 مليون دولار فإنه سيتم تغطيتها فقط من مبالغ النفط العراقي المستلب من العراق.
 
تُقرأ الإنذارات الأخيرة لوزير الدفاع الأميركي الأخيرة بشأن التدخل الإيراني في الانتخابات العراقية بوجهين: الأول تحذير مما سيقع في العراق السياسي بعد 12 مايو المقبل من حيث هيمنة التيار السياسي الموالي لإيران، والوجه الثاني يمثّل تعبيرا عن الاستسلام الأميركي للحالة العراقية لمرحلة ما بعد داعش، وبذلك تعلن أميركا خسارتها العراق بعدما بذلته من جهود عسكرية استثنائية للقضاء على داعش وهي من وجهة نظر واشنطن هدية باهظة الثمن قدّمتها الولايات المتحدة للعملية السياسية وللحكومة التي يتولاها حاليا حيدر العبادي، لكن زمن الهبات من وجهة نظر الرئيس دونالد ترامب قد انتهى، وبدأ عهد الصفقات المقابلة؛ “الحماية والأمن للعراق مقابل النفط”.
 
هناك ترجيح ثالث يتعلق بطبيعة الصراع الأميركي – الإيراني الحالي، وهو بلا شك صراع ينعكس بقوة على الساحة العراقية خصوصا أن دونالد ترامب سعى خلال الشهور الأخيرة إلى بناء فريق متجانس داخل البيت الأبيض لا يتقاطع مع كل من البنتاغون ووزارة الخارجية التي اتهم وزيرها بأنه لم يكن الممثّل الصادق عن توجهات ترامب المتشدّدة تجاه الملف الإيراني، أي بمعنى أدق نفوذ إيران في العراق لكونه المحرك لاتجاهات الفشل أو النجاح في دينامية التضييق على إيران عبر ترتيبات ليست بعيدة عن السعودية التي تصعّد حاليا من حملتها ضد طهران.
 
فإلى أي مدى يمكن أن يكون للبنية السياسية الحاكمة في العراق تأثير على تغيير اتجاهات الحد من النفوذ الإيراني؟ خصوصاً أن واشنطن لمست من حيدر العبادي مرونة في التعاطي مع سياسة لم تتضح نتائجها خلال السنوات الأربع الماضية من حكمه، وهو حاليا يعيش فترة قلق ما بين كسبه لجزء من الشارع الشيعي الذي لا يشكل حالة ولاء لأميركا وقد غيّر من قناعاته القلقة، وبين عدم نجاح تحالفه مع الطرف الأكثر ولاء لإيران، وهو ائتلاف “الفتح”، مع الأخذ بالاعتبار أن الأداء الإيراني في العراق لا يُقاس بشغل أميركا التنفيذي حيث فشلت على جميع المستويات وظهر وجهها القبيح الذي لم تتمكن الملايين من الدولارات التي دفعتها في الساحة العراقية من تبييضه، فيما نفّذت إيران برنامجا دؤوبا لحماية ودعم ما تسميه “المقاومة الإسلامية” ضد أميركا، وهو شعار خدمها في مراحل متفاوتة خلال الخمسة عشرة سنة الماضية.
 
فتجربة إيران في العراق لم تكن مثلما اختارته في جزء من لبنان عبر حزب الله، وإنما عبر تجمّعات وتيارات متعددة ما بين المتطرّف والمعتدل، لكنها جميعها تصبّ في خدمة الهدف الإيراني.
 
فقد سمحت طهران وارتضت لرئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي أن يتعامل بمرونة عالية مع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش في جزء من ولايته، ويتذكر الجميع كيف استقبلا على منصة المؤتمر الصحافي المشترك حذاء الصحافي منتظر الزيدي في مشهد عبّر عن تجانس مظهري بين رئيس الحكومة العراقية والرئيس الأميركي.
 
وكذلك خلال فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما التي رعت السياسة الإيرانية في العراق، حيث كانت إيران تشتغل بصبر داخل العراق وكانت بحاجة إلى وقت غير قليل لبناء المعمار السياسي الشيعي التابع لها عبر خطوط دعوية واستخبارية وإعلامية متعدّدة صرفت عليها الملايين في تجنيد أفواج مدنية في هذا المجال إلى جانب الميادين الاستخبارية والأمنية كقاعدة حماية لمشروعها السياسي.
 
أما واشنطن فاستندت خلال الاحتلال على مجال العلاقات العامة للسفارة الأميركية ببغداد ولقاءات سفيرها ودبلوماسييها ببعض الوجوه السياسية، السنيّة أو الشيعية، رغم أنها فقدت الموجة الأولى من نشاطاتها مدفوعة الثمن لمنظمات المجتمع المدني وبعض القنوات الفضائية العراقية، وقسم من تلك الجهات والكوادر الثقافية والإعلامية اشتغل بازدواجية ما بين منافعه المالية الخيالية من الجهات الأميركية وبين ولاءاته الحقيقية لبعض الأحزاب الشيعية. لهذا اضطر الرئيس الأميركي ترامب للتعبير عن استيائه من ذلك الصرف السخيّ وجعله يطالب خلال حملته الانتخابية وما زال بإعادة ما يعادل تريليون دولار ونصف من خلال النفط العراقي.
 
أمام هذا النفوذ الإيراني المبرمج بأدوات سياسية محلية تدّعي الدفاع عن الشيعة، وهو شعار كان جذّابا لفترة طويلة من العهد السياسي الجديد، خلت الميادين الشعبية من التأثير الفاعل للقوى الوطنية العراقية لأن الجزء الكبير منها أدارته بدوافع المصالح الذاتية الزعامات السنيّة، وقبضت من خلاله الأموال من العرب الأغنياء الذين خافوا على ضياع العراق في متاهات التطرّف والصراع الطائفي المدمّر، وقسم ممن يشكّلون نخبا ثقافية وإعلامية من هذا الوسط كان منتظرا منهم أن يلعبوا دورا فاعلا في الحياة السياسية تحوّلوا للأسف إلى تجار ورجال أعمال لا يستثمرون أموالهم في السعي إلى نهضة عراقية حقيقية، بل إلى مضاعفة تلك الأموال، وقد تكون أعذارهم أنهم أصيبوا بخيبة أمل وعدم قدرة على مواجهة حجم النفوذ الإيراني في العراق خصوصا أن هناك تُهما جاهزة لوصمهم بالإرهاب فاختاروا المهادنة الضائعة، وظلوا يسبحون في سواقي العمل الإعلامي وحافات نهره الكبير.
 
وحتى دول العمق العربي يئست من قدرة السياسيين أصحاب الخط المعتدل على بلورة مشروع وطني عراقي قادر على وضع نفسه كخط ثالث ما بين الخطين الإيراني والأميركي، حيث لجأت بعض تلك الدول إلى خيار المراهنة على الخط الشيعي المعتدل، وهي سياسة لا تسلم من الكبح المتطرّف لدى بعض الأوساط الشيعية ووسائلها الإعلامية التي تتحدث عن دعم عربي مزعوم سعودي أو غيره، ولهذا فلن تكون هناك نتائج مشجعة لتغيير بوصلة الهيمنة المستقبلية للقوى الموالية لإيران في العراق. وستظل أميركا غارقة في مستنقع فشلها.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد