هل سيفك العبادي عقدة التردد في الخيار الوطني - د. ماجد السامرائي

mainThumb

20-05-2018 03:17 PM

 في حسابات المشاريع والمواقف أبرز موقف عراقي تبلور في الأيام الأخيرة هو موقف مقتدى الصدر، وهو ليس موقفا انتخابيا عابرا تحدّده العلاقة المصلحية بين هذا الطرف أو ذاك من الزعامات المتنافسة، فلم يكن الصدر مهادنا للاحتلال الأميركي مثل غيره من قادة حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى الذي خرج منه أخيرا زعيمه عمار الحكيم. كما لم يتردد في مواقفه ومعه جمهوره الواسع من الشباب العراقي المحبط في الدعوة للإصلاح والاستقلالية العراقية.

 
وأدى عدم تشكيل الصدر لحزب سياسي إلى نتيجتين، الأولى سلبية في فلتان غالبية كوارده وعدم انضباطها أو تساميها عن مغريات المال والسلطة، وقد طرد غالبيتها من صفوف حركته، والنتيجة الإيجابية هي تحرره من الأدلجة الدينية الحزبية وحريته في الفضاء الوطني، بل إن عمامته السوداء قد أعادت للزعامات الدينية الوطنية الأولى صحوتها في ولائها للعراق، ومجابهتها لجميع محاولات الطمس والتشويه.
 
هذا ما عبرت عنه مواقفه في هذه الفترة الحرجة من حوارات زعامات الكتل الفائزة، وشكّل مشروعه نقطة استقطاب خيّرة لصالح العراقيين. وكان تحركه الأول داخل البيت الشيعي الذي انتفض جمهوره ضد رموز الفساد والتبعية الخارجية في بصمة الاقتراع الأخير.
 
وكان إسقاط الصدر قائمتي الفتح ودولة القانون من حساباته لا يحتمل المناورة السياسية مثلما هو عليه عمار الحكيم الذي يتحرك على طرفي الاستقطاب الحالي، العراقي والإيراني، تحت شعارات تميل إلى العموميات حيث لا تصبح هناك مشكلة في ذهاب صاحبها إلى أي من الكتل الشيعية مع ميله إلى الاعتدال بعد خروجه من المجلس الأعلى الذي سقطت جميع قياداته في امتحان الانتخابات الأخيرة. وهذه الحالة جعلت منه شريكا فعالا إذا ما أراد ذلك فعليا في المشروع الوطني العراقي الجديد.
 
كانت عملية تفكك البيت الشيعي مدوّية، وأصبحت محاولات طهران لإعادة ترميمه في مهاوي الفشل، وقد تكون بداية جدّية للخروج من هيمنتها التي كلفت شعب العراق ثمنا باهظا.
 
نوري المالكي وهادي العامري فرزا حالهما لدرجة يصعب فيها الانفتاح والتوافق مع قائمة الصدر، رغم أن المالكي يسعى إلى جذب الآخرين من السياسيين الشيعة وخصوصا كوادر حزب (الدعوة) إلى داخل البيت الذي تهاوى وانهار، فتلك الزعامات الدعوية التقليدية تشتتت ولم يعد لها تأثير في الأوساط الشعبية.
 
كما يعمل المالكي على تنفيذ سياساته القديمة في استمالة وإغراء بعض الوجوه العربية السنية التي تراقب عن كثب ثقل الميزان، رغم أن بعضهم قد تلقى مختلف وسائل الدعم المادي والإعلامي، والكثير من الإشارات الإيرانية المشجعة لهم للدخول مع قائمة المالكي، إلى جانب سعيه المجهد والصعب في كسب بعض قيادات من داخل الأحزاب الكردية الكبيرة (الديمقراطي والوطني) والمزايدة في إغراءاته لبعضهم تتكرر منذ عام 2010 حينما جهزوا وقرّبوا له كرسي الحكم وقتذاك.
 
ويبقى رهان المالكي الجدي هو على كسب حيدر العبادي وقائمته “النصر” إلى تحالفه رغم معركة كسر العظم الحزبية والإعلامية التي تصاعدت في الأيام الأخيرة من شوط الانتخابات. وهنا استعان بطهران عن طريق مسؤول الملف العراقي قاسم سليماني لإيجاد نقطة اشتراك سياسية بينهما تحت عنوان “وحدة الشيعة” والتي قد يستعد خلالها المالكي لمنح العبادي كرسي رئيس مجلس الوزراء.
 
لكن المعطيات السياسية التي أفرزتها الانتخابات بعزوف الناس عن الذهاب لصناديق الاقتراع تشكل قوة ضغط هائلة في محاصرة التوجهات التي قادها المالكي خلال السنوات العشر الماضية، وهو غير قادر أو راغب في مغادرتها، ولن يضيف لبسه لثوب “الأغلبية السياسية” سلاحا مفيدا لحملته هذه وفق مشورات بعض السياسيين المستقلين الشيعة الذين عرفوا وامتلكوا إمكانيات حرية حركتهم داخل الفضاء السياسي العراقي.
 
أما هادي العامري الذي حققت قائمته فوزا متميزا، فهو في قالب صلب وحركته في المناورة السياسية محدودة، ولا تتعدى سوى قائمة المالكي بسبب الكثير من الإشكاليات والملابسات التي تكونت فيها قائمته على خلفية الحرب على داعش إضافة إلى عدم تردده في الإعلان عن ولائه لطهران وحكم ولاية الفقيه وهو عنوان أصبح مستفزا للجمهور الشيعي وعموم العراقيين. كما أنه لا ينفرد بقصة المشاركة الفعالة في القضاء على داعش لغالبية العراقيين تحت خيمة الحشد الشعبي أو القوات المسلحة العراقية والذي يغلبه فيها حيدر العبادي كقائد عام للقوات المسلحة.
 
ويبقى جوكر جولة الحوارات الحالية داخل الكتل الشيعية، بل وفي الترجيح للكتلة الأكبر في البرلمان الجديد هو حيدر العبادي نفسه. وهو قائد برز بعد أن انفتحت أمامه فرصة الحصول على كرسي الحكم نتيجة القرارين الداخلي (المرجعية الشيعية) والخارجي (الإيراني والأميركي) بعدم التجديد لولاية ثالثة للمالكي، ونتيجة الخوف من ضياع حكم حزب الدعوة تم اختيار العبادي، وانتهى دور القرار الخارجي بعد تولي العبادي للحكم واتباعه لذات التوجهات السياسية السابقة والتي لم تخرج عن الهيمنة الحزبية واستمرار نشاط الفاسدين وسرقتهم للمال العام وبقاء العراقيين في ذات الحال البائسة. وبسبب طبيعة تحديات معركة داعش وخروجها من المحلية العراقية إلى العالمية تراجعت الاستحقاقات الداخلية في التصدي للفساد والفشل وتحقيق مصالح المواطنين في الحياة الكريمة، مما أعطى العبادي فرصة ذهبية، لكن الفرص لا تدوم ولا تتكرر في زمنها وظروفها.
 
وكان أهم استحقاق سياسي شكل ضغطا عليه هو إمكانية انتقاله من الحزبية الأيديولوجية الضيقة (الدعوة) إلى الفضاء العراقي الواسع ليتحول إلى مشروع الزعامة الوطنية، لكنه ظل يدور داخل حلقة التردد بين ولائه لحزبه الديني المذهبي والولاء لكل العراق، وكذلك التردد في الدخول العملي الشجاع في الاقتصاص العادل من رؤوس الفساد وتحقيق الأمن العام للعراقيين.
 
القراءة العميقة للظرف السياسي المحلي والعربي والدولي الذي تمر به التجربة السياسية في العراق، لا توضع لها الحلول وفق النيات الفردية الطيبة التي يتمتع بها من دون شك العبادي، لكن في قدرته على بناء وتطبيق برنامج استراتيجي إصلاحي شامل لا ينفرد هو بزعامته، ولا يحصل على مباركة من قوى طائفية بالبلد لها مصالحها الخاصة، وإنما بمشاركة كل الوطنيين العراقيين لبناء دولة المواطنة ومؤسساتها، لا تعنى بتوزيع حصص الوزارات والمناصب لهذا الموالي أو ذاك وإنما وفق مبدأ تكافؤ الفرص العادلة للجميع. وفي قدرته على التخلي عن الالتزام الأيديولوجي الذي تآكل وفشل في العراق والدخول في عتبات بناء المشروع الوطني العراقي، وأمامه مثال مقتدى الصدر كزعيم ديني تحرر من الصندوق المذهبي وتحالف بروح وطنية منفتحة على الليبراليين وأقصى اليسار (الحزب الشيوعي)” من دون عقد قديمة أو منافع مصلحية.
 
ولا أعتقد أن الفرصة متاحة اليوم للتردد. وهذه هي العقدة التاريخية في خيارات العمل الوطني الصحيح الحالي في هذا البلد، وقد تكون الفرصة الأخيرة لتلاحم السياسيين الوطنيين الحقيقيين مع شعبهم الذي ظلم وأهين كثيرا من جمهرة السياسيين لحد اللحظة، فهل يستطيع العبادي حل هذه العقدة؟ الطريق ما زال مفتوحا أمامه.
 
العرب اللندنية


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد