التفسير النفسي للسحر وحقيقة تلبس الجن بالإنسان - فلاح الشمري

mainThumb

10-06-2018 01:35 PM

 ألا يستطيع السحرة !! أن يعملوا سحرا ليفوز منتخبنا الوطني بكأس العالم ؟!! 
 
الحديث عن السحر وغيره من الأمور الغيبية قد يبدو في غاية الصعوبة للكاتب أحيانا، لكون المنظر لهذه القضايا سيتصادم فكره مع مجتمع يحاكي عالم المادة والحس ولا يقنع إلا بما يراه على الواقع، أو ما ينادي به الكثير من الدجالين، يرافقه جهل مطبق من قبل هؤلاء الدجالين بالسحر، ولكون اختلاف الآراء والتجهيل المستخدم للإنسان، كما أن للعرف والأساطير الدور الكبير في توجيه القضايا الغيبية، حيث أن هذه القضايا باتت تعتبر نخبوية ولا يطلع عليها العوام لأنه أصبح مستهلك فكريا، ويستقبل ما يُنظر ويذهب إليه الآخرون، فكم نسبة الذين يطلعون على هذه العلوم وغيرها من التي ترتبط بها كما يذكرها السيد الطباطبائي كالسيمياء والليمياء والهيمياء والديمياء والكيمياء والتي تسمى بالعلوم الخمسة الخفية ، وإن هذا التشويش زاد في تشعب وصعوبة الموضوع، فبين اختلاف العلماء في ماهية السحر ونوعية القوانين التي يستند عليها السحرة في إيجاد أعمالهم السحرية، إلى الاختلاف في هل هو حقيقة أم وهم وهل له واقع أم هو خيال حيث يذهب الشهيد الصدر إلى أن من السحر ما يوجد له واقع، واعتقد أن الشهيد الصدر أراد بذلك الرواية التي تقول (كثيره لا يدرك وقليله لا ينتفع به)، قال تعالى (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ)، وبين هذا وهذا فأننا لا نريد الخوض في ذلك كله لانه حقيقة يحتاج لبحث مفصل يعتمد الخوض في تأريخ هذا العلم وحقيقته وذلك له محله أن شاء الله في مستقبل الأيام . 
 
قال أهل اللغة : السحر كل عمل يتقرب به إلى الشيطان، والأعمال التي تأخذ العين حتى يظن الناس أن الأصل على ما يُرى ، وقال الفراء في قوله تعالى : (فأنى تسحرون) معناه : فأنى تصرفون ، وقال الأزهري: واصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، فكان الساحر لما رأى الباطل في صورة الحق وخيل الشيء على غير حقيقته قد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه ، وخير دليل من القران على ذلك ما حدث في قصة موسى (ع) وفرعون قال تعالى : (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ، فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ، فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ، ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) و (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) و (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ) ما نفهمه من الآيات أعلاه حقيقة الحديث (كثيره لا يدرك وقليله لا ينتفع به) فان السحرة أخيرا امنوا بموسى (ع) وسجدوا إليه لأنهم خدعوا أنظار الحاضرين وخيلوا اليهم بان الحبال أفاعي تسعى، ولما رأوا أن ما عند موسى واقع، حيث غير واقع العصا إلى أفعى تسعى .
 
السحر من اخطر الإعمال الروحانية وهو أذى من فعل الإنسان موجه لشخص أو لعدة أشخاص، ووصل خطورته في مجتمعنا أن يفكك الأسرة فقد يفرق بين الزوجين أو بين الأخوين أو بين الأب وأولاده كذلك الأم، قال تعالى : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ، وأعراضه أما إن يكون سلوكي بان يؤثر على سلوك الإنسان فيتغير بين ليلة وضحاها، ويصبح إنسان آخر لا يعرفه الذين حوله، أو أن يكون صحي فقد يؤدي إلى خمول وكسل المصاب وحتى إلى أمراض أخرى، كما أن المجتمع وبسبب الجهل بدأ يلتجأ في كل ما يواجهه من مصاعب وتقلبات الحياة إلى العرافين أو قارئي الكف والرمل والأبراج والطريحة وأصحاب النور والمطوعات وغيرهم، وكان سابقا انتشار هؤلاء في المناطق الاجتماعية والنائية، أما اليوم فصار التوجه إليهم أوسع وبدئوا يتخذون لأنفسهم مقرات عامة وعيادات وتحت مسميات عديدة كالعلاج بالقران وغيره ، وكما نرى مع الأسف من بعض القنوات الفضائية بأنها تروج لأمثال هؤلاء والترويج لهم إعلاميا لإغراض مستقبلية ترنوا إليها إدارات هذه القنوات، لان الناس إذا اعتقدت بحقانية ذلك أصبحوا دمية بأيديهم إذا قالوا لهم سيروا يسيرون وإذا قالوا قفوا يقفون، حتى أن بعضهم بدأ يثقف على القضايا العقائدية ويتبجح بقوله أن سيد فلان هو نائب الإمام (ع) وان فلان هو حجة الله على خلقه وغيره اجتباه الله ..الخ
 
 ونسأل هل حقيقة أن للسحر تأثير من خارج العالم المادي على الإنسان، وان كان لهذا التأثير حقيقة ووجود إلا ينتفي بذلك الاحتياج إلى الله تبارك وتعالى وهذا السر في الحديث عن النبي (ص) : (السحر والشرك مقرونان)، واسأل المنتفعين من مدعي هذه الادعاءات أن كانوا حقيقة ما يدعون من امتلاكهم لعلم السحر وتأثيره على الغير، لماذا لا يغيروا حياتهم بعمل لأنفسهم سحر ليصبحوا من أغنى رجالات العالم ويكفون عن التسكع وسلب أموال بعض العوام مستغلين جهلهم؟؟ أو لماذا لا يعملون سحرا للمنتخب العراقي ليفوز بكأس العالم مثلا!؟ ومهما كان بُعد هذا التأثير، واقعي حسي، أو وهم كما يذهب إليه البعض، أو تخيلي، إلا انه يبقى محكوم من قبل الحق تبارك وتعالى (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) .
 
لعل السحر وتلبس الجن بالإنسان من أكثر الموضوعات التي تدور حولها الأساطير والخرافات، فيردد الناس حولها الروايات والقصص الخيالية، وان تفسير علم النفس لذلك لا يعدو استقبال المريض لبعض المؤثرات الصوتية والضوئية الغير واقعية، نتيجة لخلل مرضي أصاب الجهاز العصبي، وهو ما يطلق عليه في الطب النفسي ـ الهلاوس السمعية ـ والجالس في العيادات النفسية يسمع روايات غريبة من أهل المرضى عن مرضاهم، حيث يذكرون أن الشخص يتحول أحيانا إلى شخصية أخرى، ويتحدث بلغة وصوت مختلفين لا يفهمها من حوله فيكون تفسيرهم ـ الذي يشترك مع تفسير العرافين ـ لهذه الحالة انه (ملبوس) أي تلبس الجن به، محاولين بهذا التفسير تخويف وهلع أصحاب المريض بحيث يقبلون كل ما يطلب منهم، وإما تفسير علم النفس لذلك فهي حالة تهور هستيري أو تقمص المريض لشخصية أخرى يستخدمها العقل الباطن للهرب من القلق ومشاكل الحياة التي لا يمكن مواجهتها. والحقيقة إننا من وجهة نظر نفسية نحاول دائما التمسك بالحقائق العلمية المدروسة.
 
مؤسسة البيت العراقي للابداع/ بغداد - العراق


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد