الاتحاد الأوروبي شريك في أزمة تونس - طارق القيزاني

mainThumb

17-03-2019 03:27 PM

 المخاوف التي أطلقتها المنظمات الوطنية في تونس حتى وقت قريب، من انهيار متوقع للنظام الاجتماعي بسبب الأزمة الاقتصادية وأزمة الحكم، لم تعد اليوم مجرد تحذيرات. فالكارثة أصبحت أمرا واقعا والانتقال السياسي بدأ يحصد أبناء الجمهورية الثانية وهم في المهد.

 
مشاعر الخوف من المجهول القادم وعلى مستقبل الأجيال الجديدة تسيطر على التونسيين اليوم بعد كارثة وفيات الرضع في مستشفى الرابطة وانتشار الأمراض الوبائية في مناطق داخلية، وغيرها من المشاكل الاجتماعية المتزامنة التي تدفع الكثيرين في هذا البلد إلى تقاسم رغبة الفرار.
 
صحيح أن القطاع الصحي، مثل بقية القطاعات الحكومية في تونس، يعاني من تفشي الفساد وضعف الحوكمة والرقابة وتدني البنية التحتية، وهي حالة تعمقت أكثر في فترة الانتقال السياسي. لكن الأزمة الأكثر خطورة تكمن في اتساع رقعة الهجرات الجماعية المنظمة للآلاف من الكفاءات بما في ذلك الأطباء والممرضين والجراحين إلى الخارج، إما بمبادرات خاصة وإما عبر عقود عمل وإما عمليات استقطاب منظمة من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا بالخصوص.
 
تعمل المراكز الثقافية الأوروبية في تونس على تقديم دورات تدريب اللغة بشكل مكثف وبتعريفات عالية لا تعتمد قاعدة دخل الفرد في هذا البلد، وهو قطاع وجد مجالا واسعا للربح والانتهازية بعيدة تماما عما يروج في الظاهر من التسويق الثقافي.
 
كما جندت حكومات دول أوروبية وسطاء في الخفاء وتحت واجهة منظمات التعاون وغيرها لاستقطاب الكفاءات عالية التكوين والتدريب والذين تلقوا تعليمهم وتكوينهم في المؤسسات الجامعية والمهنية بتونس على حساب المال العام وضرائب المجموعة الوطنية دون أن يتم توظيفهم في المؤسسات العمومية بتونس، وهو ما يعني الاستنزاف المضاعف وغير المباشر لمقدرات تونس.
 
في المحصلة فإن الأرقام تفيد بمغادرة نحو تسعين ألف كادر لتونس منذ 2011. أما القطاع الطبي فإنه في خلال عامي 2017 و2018 فقط غادر 620 طبيبا مباشرا البلاد وفق إحصائيات رسمية، وهو رقم ليس بالهيّن ويعد كارثيا بالنسبة لاحتياجات المستشفيات العمومية في المحافظات الداخلية التي يفتقد بعضها وبشكل كامل إلى أطباء الاختصاص والتوليد والجراحة.
 
اليوم تدفع المستشفيات والمدارس في تونس كلفة الانتقال السياسي والاقتصادي المتعثر وهي مجالات رئيسية تهدد الأمن القومي وكان يفترض أن تتصدر برامج التعاون مع الشريك الأوروبي وأن تكون ذات أولوية قصوى من أجل مرافقة الانتقال الديمقراطي.
 
ولكن على النقيض من ذلك يخفي هذا التعاون غير المثمر اجتماعيا على الجانب التونسي، حالة من التواطؤ غير المعلن من خلال استثمار الأزمة والفوضى في الديمقراطية الناشئة لمزيد استنزاف مواردها البشرية المدربة وتعبيد الطريق أمام الآلاف من الساخطين في قطاعات حساسة للمغادرة. في مقابل ذلك تستمر أغلب دول المجموعة الأوروبية، مدفوعة بالحكومات الشعبوية، في اعتماد المعايير المزدوجة لسياسات الهجرة والتضييق الكامل على الهجرة المنظمة وحرية التنقل في حوض المتوسط وتوسيع سياسات الترحيل.
 
إن إنقاذ الديمقراطية الناشئة في تونس لا يتوقف على إسداء القروض المشروطة وبرامج التعاون الفضفاضة بقدر ما يستدعي المساعدة فعليا في توفير أسباب البقاء، عبر تحسين البنية التحتية في القطاعات الحساسة وتحسين ظروف العمل من خلال توفير التجهيزات.
 
فكما تقتضي شراكة رابح رابح تأمين الحدود الجنوبية للمتوسط ضد الهجرة والمخاطر الأمنية المحدقة بأوروبا فإن تعزيز الاستقرار في دول المنطقة يتطلب أيضا من الشريك الأوروبي ضخ المزيد من الاعتمادات غير المشروطة لتأمين الانتقال الاجتماعي والاقتصادي، وهي تحديات لا تبدو على أرض الواقع وحتى الآن في دائرة اهتمام الحكومات اليمينية لدى الشريك الأوروبي.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد