هل حان الان وقت بيع كنوز الذهب ؟ - د. عباس البرق

mainThumb

03-09-2019 10:21 AM

منذ أشهر وبعض الكتاب والمحللين يمطروننا بتحذيرات عن حرب عالمية ثالثة وأزمة مقبلة فى الاقتصاد العالمي بداية 2020. بل توقعاتهم انها ستفوق أزمة 2008، وهي الأزمة المالية التي انطلقت من أمريكا مع انهيار "ليمان براذرز" في سبتمبر 2008 . حتى اصبحنا نعيش فى أزمة نفسية أكثر من الاقتصادية من القلق والتوتر واضطرابات اوقفت الحال. 
 
الفارق بين 2008 وما يمطرنا به الكتاب لعام  2020 ومساهتمهم فى ايقاف الحال ، في 2008 بدأت الأزمة من خلال السوق العقاري التي فجرها في البداية تهافت بنوك وول ستريت التجارية على منح قروض عالية المخاطر وتشجيع الامريكيين ذوي الدخل المحدود ولا تساعدهم رواتبهم على شراء العقارات والمنازل. وبما أن اسعار العقارات ترتفع بشكل متواصل ، لم يكن ذلك أبدا مشكلة بالنسبة للبنوك التي تعوض تعثر المقترض عن السداد من خلال الحجز واعادة بيع العقار لآخر بسعر أعلى أيضا في ظل الطلب المرتفع  للعقار والذي يضمن استمرار هذا الوضع الجيد. هكذا دخلت البنوك في هذه الفقاعة ، لكن عندما تعثر السداد لهذه القروض قامت البنوك بأخذ المنازل لبيعها و هو ما خلق عرض للمنازل أعلى من الطلب فهوت اسعار المنازل وبدأت البنوك وشركات التأمين ببيع ممتلكاتها. وبدأت بما يسمي أزمة الرهن العقاري.
 
أما المتوقع في 2020، فلا يعدو عن كونه عن حرب عملات ستؤدي الى ركود اشرت اليه فى مقال سابق ، ولن تصل إلى حدوث أزمات وحروب باستثناء بعض المقالات "أم المعارك قادمة! ، الحرب قادمة لا محالة في المنطقة ، اشتعلت حرب الناقلات والطائرات ، توقع حرب كبرى في الشرق الأوسط عام 2019 ، حرب الشرق الأوسط الكبرى عام 2019، واكثرها ارعبتني كانت في 29/3/2019 - الحرب القادمة في الصيف"
 
وبعيدا عن الحرب وعودة لأزمة 2008 فقد تميزت الازمة بعنصر المفاجأة فكانت غير متوقعة ، أما حرب العملات الحالية والازمة القادمة في 2020 الكل يراها و يحذرها مما خلق بيئة مناسبة للحكومات للتحوط منها والتدخل باستراتيجيات استباقية تعمل على تخفيف حدة الاثر لتلك الأزمة الاقتصادية وقد نستطيع ايجاد العلاج ان كان على مستوي دولة او فرد ، وعلى عكس الازمة السابقة التى بدأت فى امريكا نجد الازمة الحالية بدأت فى الصين من خلال سياسات اقتصادية تبنتها امريكا. 
 
فمع هبوط العملات الرئيسية كاليورو والباوند وحتي العملة الصينية أمام الدولار ستتحسن قدرة الاردنيين على الشراء للمواد المستوردة. كما أن البنوك الأردنية ليست بنوكا استثمارية محضة كما هو الحال في أميركا حيث انهارت البنوك الاستثمارية العملاقة الخمسة لانعدام مصادر الدخل لديها من قطاعي التجزئة والمعاملات التجارية. بل على العكس سيجد بعض المستثمرين فى الاردن أن هذا السوق على الرغم من صغره أكثر متانة وأقل عرضة للتقلبات الخطيرة التي تشهدها أموالهم في الخارج. وقد يستفيد الأردن وباقي دول الشرق الأوسط من هذه الأزمة، ولقد بدأت تصريحات صندوق النقد الدولي تشير صريحا الى ذلك. ففي أزمة 2008 كانت التأثيرات الغير مباشرة على الاقتصاد الأردني في معظمه ايجابيا , تمثل بانخفاض أسعار النفط والمواد الأساسية الغذائية , بالاضافة الى انخفاض معدلات التضخم بنسبة 7% مع استمرار النمو الاقتصادي. فقد كان من أقل الدول تضررا وتأثرا بتداعيات الأزمة المالية العالمية.
 
فى نفس الوقت ، يسأل الكثير طمعا فى استشارة اقتصادية " مفكر ابيع ذهب! " ، بالرغم من كشف مؤسسة ضمان الودائع  ان 97.4 % من إجمالي المودعين ودائع في بنوك الأردن دون 50 ألف دينار وكثيرا مما يمتلكون ذهب ورثوه من قضايا عائلية ، اضافة لحلاق اذن فرط مختلفة ولواقط مفقودات "اي بمعني تاجر شنطة".  لكن أصبح المال و الحصول عليه هوسا لدى الأفراد فمن لديه مال يسعى للاستزادة منه و من ليس لديه مال مهووس بالحصول عليه. 
 
اليوم عند كتابة هذا المقال بلغ سعر بيع غرام الذهب فى الاردن عيار 21 الاكثر رغبة من المستهلكين فى السوق المحلية عند 31.30 دينار وذلك لغايات البيع من المحلات ، اما شراء الصاغة من المواطنين 29.40 دينار. وحقيقة اخرى تتوافق مع دراسات سابقة ان اقتناء النساء للذهب ليس للتجمل بالقدر المستخدم كمخزون اقتصادي والمباهاة بوضع مالي لمن تقتنيه ويستخدم كوسيلة لاستخراج بعض النقود من الزوج بطريقة دوبلوماسية حميمة حتى ان بعضهن يكدسنه تكديسا على اجسادهن وان كان لا يتوافق مع بعضه ولا يتلائم مع الهيئة والثياب. معلومة اخرى اشارت اليها محلات الذهب ان اغلب قطع ذهب الزبائن هي نتاج ورثة يصلح اغلبها للصهر حيث تنصهر معه ذكريات شاريه. فى الواقع الملكية في الإسلام وحتى فى الاقتصاد السليم هي ملكية انتفاع ولذلك نعم هذا "وقت البيع" ، فقد حان الوقت للاستنفاع أو ان تقرروا مصير ذهبكم الانصهار من قبل الورثة". فما فائدة الملكية دون اسنتفاع ، ولكم اعادة الشراء عند انخفاض سعر الذهب مرة اخرى. وحتي لا نتاخر فى القرار فالقول القديم "ما يفعله الحكيم عند البداية، يفعله الأحمق عند النهاية" 
 
ولا تتوتر من البيع ، فبشكل عام عند تعرض الاقتصاد العالمي لأزمة ركود ، فإن ذلك يعني تعرض الاقتصادات للذعر، ويتجه المستثمرون نحو بيع الأصول . اثناء الازمة المالية في ٢٠٠٨ ومع أنهيار اسواق المال ظن كثير من المستثمرين ان المعادن النفيسة مثل الذهب والفضة ملاذ امن ولكن الحقيقة عكس كل التوقعات ..انهيار باسعار النفط والسندات وحتي المعادن والمواد الاستهلاكية. والسبب بيع الاصول وتحويلها للكاش. 
 
كان الدولار ليس له نظير ، فهل تصدق فقر من يطبع المال فى بيته ، ان النعمة الخضراء "الدولار" وهو العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم يمثل ملاذا آمنا من الأصول السائلة ، لذلك يميل رأس المال إلى الاحتماء بالدولار خلال الأزمات ففي خضم الأزمة المالية العالمية في 2008، شهد ارتفاعاً واسع النطاق نتيجة انتعاش عمليات الاقتراض بالعملة الأمريكية ، وبالتالي ، عند وقوع أزمة، يحدث تدافع على الدولار. ولكن مما تتفق عليه النتائج بشكل كبير أن أسعار الذهب تشهد ارتفاعا كبيرا في الأزمات، ثم انخفاضا بعدها (مثل وصف الفقاعة).  فشراء الذهب فى ظل عدم استقرار العملة هي فكرة جيدة للادخار لكن فى ضوء استقرار الدينار وهو الثابت حاليا فانت تدفع قيمة الفرق للصائغ في كل عملية شراء ذهب.
 
ولا تقلق ففي ظل ارتفاع كبير في الطلب على الذهب العالمي يغطي الطلب بيسر وسهولة. وأشد الضربات التي تلقاها الذهب، جاءت من تراجع مكانته في احتياطات المصارف المركزية ، وهذا ما تقوم به بعض المصارف المركزية اما لجني ارباح او تعزيز لعملتها والتي لجأ بعضها مرارا إلى بيع جانب من احتياطاته من الذهب خلال السنوات الماضية ، ليفقد تدريجيا بريقه ومكانته كأداة مالية للتحوط. ومما يدفعنا للتساؤل ايضا عن مدى قدرة تجار الذهب في الاستمرار بعمليات الشراء في ظل ووجود بيع قوي للذهب من المواطنين حسب تصريح رئيس نقابة محال الذهب والحلي والمجوهرات ، مقابل طلب ضعيف جدا على الشراء لارتفاع الاسعار، ما قدرة التاجر على الاستمرار فى قبول شراء الذهب ودفع القيمة نقدا لذهبك؟ فى الواقه لا وجود لحربا حقيقة جديدة تستعر في العالم حيث ستبقي الحرب الحقيقية على الاوراق وفي الاجندات ، وسنجد في ساحة المعارك جنودها العملات وجنرالاتها المعادن من الذهب والفضة.
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد