كارلوس غصن يكشف تفاصيل حياته الجديدة في لبنان

mainThumb

22-02-2020 06:26 PM

السوسنة-  أثار المدير التنفيذي السابق لشركة نيسان كارلوس غصن، الكثير من الجدل بهروبه من اليابان إلى لبنان، حيث كان يخضع للإقامة الجبرية بسبب تحقيق في اتهامات الفساد المالي، لكنه يواجه الآن العديد من العواقب بعد أن نجحت خطة هروبه.

 
ومن داخل مطعم في بيروت، كشف غصن تفاصيل حياته الجديدة في لبنان، والتي قال إنها مليئة بالقيود، إذ لا يستطيع مغادرة البلد الذي ولد فيه دون المخاطرة بالقبض عليه، كما أعاقت الأزمة المصرفية وصوله إلى النقود، فيما جعلت الاحتجاجات التي تملأ الشوارع التنقل في أنحاء العاصمة تحديا.
 
 
رقابة يابانية
 
وأشار إلى قلقه الدائم من مراقبة السلطات اليابانية، وقال: ”قِيل لي إنني بحاجة لحماية نفسي، حتى المبنى المواجه لمنزلي، أتى اليابانيون لاستئجاره، لا أعرف ما هي نواياهم، يخبرني الناس أن الكثير من اليابانيين يأتون ويلتقطون الصور ويراقبونني“.
 
ووفقا لصحيفة ”وول ستريت جورنال“ الأمريكية، يبدو أن غصن يعلم أن حياة التجول حول العالم على متن الطائرات الخاصة قد انتهت، حيث ينصب تركيزه الأساسي في هذه الأيام على الدفاع عن نفسه من التهم الموجهة إليه باختلاس الأموال وإخفاء التعويضات كرئيس لتحالف صناعة السيارات بين شركتي ”رينو“ و“نيسان“.
 
وقال غصن: ”نحن نتحدث عن الدفاع عن سمعتي وإرثي وحقوقي، وهذا أكبر دافع يحركني في حياتي“.
 
وعندما سُئل عما إذا كان لديه أي شيء يود الاعتذار عنه في أعقاب هروبه، رد: ”اعتذار عن ماذا…؟ ولمن؟ نيسان ورينو؟“.
 
وتشكل عودة غصن إلى الوطن الذي تركه وهو مراهق، تغييرا كبيرا للمدير التنفيذي الذي لطالما اعتبر نفسه مواطنا في العالم، حيث جمع عدة منازل وجوازات سفر في قارات متعددة، وترعرع أولاده الـ 4 بين باريس وطوكيو قبل الدراسة في جامعة ستانفورد، ولا أحد منهم يتحدث العربية.
 
محسوب على النظام
 
ويواصل غصن شرح الظروف التي صار عليها الآن: ”منذ أن بدأت حياتي المهنية، وهذه أطول فترة أقضيها في لبنان“.
 
وأصبح البلد الذي وضع وجه غصن ذات مرة على طابع بريدي، مليئا بالاحتجاجات التي تطالب بالإطاحة بالطبقة السياسية.
 
وقال أحمد جمول، وهو طالب يبلغ من العمر 21 عاما، وشارك في مظاهرة احتجاج أخيرة: ”كارلوس غصن واحد منهم“.
 
وردت متحدثة باسم غصن بأنه ”ليس جزءا من المؤسسة اللبنانية، وليس له دور سياسي في البلاد ولا يعتزم ذلك“.
 
إلا أن توقيت عودة غصن لم يكن مثاليا، إذ شن المدير التنفيذي ذو الأصول اللبنانية عملية هروب باهظة الثمن، شملت استئجار طائرة خاصة للخروج من اليابان في صندوق معدات صوتية، ومصادرة السلطات اليابانية لما يقرب من 15 مليون دولار من أموال الكفالة، بينما كان لبنان في خضم أزمة مالية.
 
وارتفعت تكاليف الاقتراض في لبنان مع فرار المستثمرين من سوق الديون السيادية، واستجابت البنوك، وهي المالك الرئيس للسندات اللبنانية، للأزمة النقدية من خلال تقييد وصول العملاء إلى أموالهم، بما في ذلك المبالغ التي يمكن تحويلها إلى الخارج.
 
وقال غصن: ”لا أصدق الادعاء بأنه لا يوجد حل لمشاكل لبنان، فهناك حل، ولكن ابتكار الحل على الورق يعد 5% من العملية وتنفيذه 95%، مثل الشركات“.
 
ودعا النائب وليد جنبلاط، إلى تعيين غصن وزيرا للطاقة في البلاد، ولكن الأخير قال إنه ليس لديه مصلحة وأنه يتجنب السياسة الطائفية في لبنان.
 
الحاجة إلى التعافي
 
ورغم التحديات التي ساقها سابقا، فإن لدى غصن، لأول مرة منذ عقود، وقتا كافيا ليستضيف هو وزوجته حفلات العشاء للأصدقاء داخل قصرهما في بيروت، وكان يعيد التواصل مع زملائه في مرحلة الطفولة، ويزور المناطق القديمة ويتزلج على الجليد ويتمشى في الجبال، ويوم الثلاثاء، استمع هو وزوجته إلى أوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية في مسرحية بيتهوفن السمفونية رقم 5.
 
وقال: ”أنا بحاجة إلى التعافي، فمن الناحية البدنية، كانت الـ 14 شهرا الماضية في اليابان مرهقة للغاية“.
 
 وغصن يتشاور مع مايكل أوفيتز، وكيل الأعمال في هوليوود حول بيع قصته ليتم تحويلها إلى فيلم أو مسلسل، وأبلغ الأصدقاء أن هذا يمكن أن يساعد في تمويل معركته القانونية.
 
 والشهر الماضي، زار ابنه ”أنتوني“ البالغ من العمر 25 عاما، الشقة التي نشأ فيها، وهي في حي من الطبقة العاملة يطوق أنقاض كنيسة ترجع للقرن الخامس، والتي تعتبر معقلا للمجتمع المسيحي الماروني، والذي لم يتغير منذ مغادرة والده منذ سنوات عديدة.
 
وولد غصن في مدينة ”بورتو فيلهو“ البرازيلية، في غابة الأمازون، لأبوين لبنانيين، ثم أعاد والده جورج غصن العائلة إلى لبنان عندما كان كارلوس في الـ 6 من عمره، وفي ذلك الوقت، قُبض على عليه لتورطه في قتل كاهن أُصيب بالرصاص.
 
فترة مؤلمة
 
ورفض غصن التعليق على ماضي والده، وقال أحد الأشخاص الذين تحدثوا معه عن ذلك، إن سجن والده كان فترة مؤلمة في حياته، وأشار مصدر مقرب منه إلى أن تغلب كارلوس على هذه المرحلة الصعبة من حياته يزيد من شأنه.
 
وفي سيرته الذاتية لعام 2003، وصف كارلوس والده بأنه ماروني متدين عاش حياته بين البرازيل ولبنان بسبب عمله، ولم يذكر سجنه.
 
وكتب أن لبنان في تلك الأيام كان ”سويسرا الشرق الأوسط“، ومركزا ماليا يستقطب السياح من جميع أنحاء العالم.
 
وذكر أن والدته أرسلته إلى مدرسة ”نوتردام دي غامهور“، حيث كان تلميذا ممتازا ولكنه متمرد بعض الشيء، إذ قال إيلي غاريوس، صديق طفولته، إنه فصل من المدرسة مع كارلوس بسبب كتابتهما ”يسقط كبار السن“ بالطلاء الأحمر على جانب المدرسة التي يبلغ عمرها 170 عاما، وأشار إلى أن كارلوس كان دائما محاطا بصبية آخرين يتبعون تعليماته.
 
وفي عام 1971، تخرج غصن من المدرسة الثانوية وانتقل إلى باريس لمواصلة تعليمه، ومع انطلاق حياته المهنية في صناعة السيارات، أصبحت زياراته إلى لبنان نادرة، وأول وظيفة كبرى له كمدير شاب كانت في شركة الإطارات ”ميشلان“ حيث كانت في البرازيل.
 
وفي عام 2008، اشترى غصن حصة كبيرة في كرمة في لبنان، وبعد بضع سنوات، بعد طلاقه عام 2012، تزوج من زوجته الثانية كارول، والتي جاءت من نفس الحي الماروني في بيروت.
 
وفي عام 2012، اشترت ”نيسان“ فيلا في حي الأشرفية في بيروت لغصن، وهو حي يحتوي العديد من القصور الفخمة والشقق السكنية التي أعطت المدينة لقبها السابق، باريس الشرق الأوسط.
 
ودفعت ”نيسان“ حوالي 9.4 مليون دولار لشراء الفيلا، ثم أنفقت 7.6 مليون دولار أخرى على تجديدها.
 
وأشرفت كارول غصن على عملية التجديد، والتي شملت طلاء الواجهة الخارجية باللون الوردي واستخراج تابوتين أثريين يتم عرضهما الآن تحت أرضية زجاجية تؤدي إلى قبو النبيذ.
 
لعبة شد الحبل والعودة لزوجته
 
وكان اعتقال غصن في نوفمبر/ تشرين ثاني 2018، بمثابة بداية لعبة شد الحبل التي دامت لمدة عام مع النظام القضائي الياباني، وبعد قضاء أشهر في السجن والحبس الانفرادي، تم إطلاق سراحه ليعيش قيد الإقامة الجبرية في شقة في طوكيو مع مراقبة بالكاميرات، وأمر من المحكمة يمنع الاتصال بزوجته، والتي كانت آنذاك تتنقل بين لبنان ومدينة نيويورك.
 
ومن ثم عاد لم شمل غصن بزوجته عندما تخلى عن الكفالة وهرب إلى لبنان، مما منحه قدرا من الحرية.
 
وأصدر الإنتربول ”إشعارا أحمر“ يشير إلى أنه مطلوب من قِبل اليابان ويجب تسليمه، ولكن لبنان لا يسلم مواطنيه، مما يعني أنه من غير المرجح أن يعود غصن للمحاكمة في اليابان.
 
وقال نائب المدعي العام في طوكيو تاكاهيرو سايتو، في بيان مكتوب إن غصن ”لم يرد الخضوع لحكم محاكم أمتنا وسعى إلى التهرب من العقوبة على جرائمه“.
 
ومنذ اعتقاله، غيّرت ”نيسان“ الأقفال في فيلا بيروت، ولكن محكمة لبنانية أمرت الشركة بتسليم المفاتيح الجديدة إلى كارول غصن بينما تراجع المحكمة القضية، والآن تحاول ”نيسان“ طرد العائلة التي تحاول بدورها شراء المنزل من الشركة.
 
وبعد أن ترجل من طائرة مستأجرة في بيروت في 30 ديسمبر/ كانون الأول، بدأ غصن في غرس جذور حياته الجديدة، وزار على الفور رئيس لبنان، الذي لم يتم تحذيره من خطط هروب غصن، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
 
واتصل محاميه اللبناني، الذي لديه اتصالات سياسية واسعة في بيروت، بالسياسيين ومحرري الصحف لتقييم دعمهم لقرار غصن باللجوء إلى لبنان.
 
وكان غصن يشن حملته القانونية ضد ”نيسان“ والحكومة اليابانية بحماسة إدارته لشركتي ”نيسان“ و“رينو“، حيث يزور مكتب محاميه اللبناني في وسط بيروت عدة مرات أسبوعيا.
 
وزودته الشركة بمكتب صغير يطل على مدرسة وكنيسة، ويستخدم غرفة مؤتمرات عبر الفيديو بجواره للتحدث إلى محاميه ومستشاري العلاقات العامة الآخرين في طوكيو وباريس ونيويورك.
 
وقال غصن: ”يجب أن أعتني بنفسي، أنا لست مضطرا للاهتمام بجميع هذه الشركات، أنا أعمل مع مجموعة محدودة من الناس، لقد خاضوا الكثير من المعارك، ولكنهم أشخاص يمكنني الاعتماد عليهم حقا“.
 
ورفع دعوى قضائية ضد شركة ”رينو“ يزعم فيها أن شركة صناعة السيارات الفرنسية تدين له بدفع معاشات تقاعدية تبلغ 250 ألف يورو، بعد تنحيه عن منصبه كرئيس مجلس إدارة ومدير تنفيذي للشركة أثناء وجوده في أحد سجون طوكيو.
 
وأقام محاموه دعوى قضائية في محكمة بأمستردام، زعموا فيها أن ”نيسان“ و“ميتسوبيشي موتورز“، قد طردتاه بشكل غير عادل من منصبه كمدير في الشركة الهولندية المشتركة، في حين قال محامو الشركة إن إقالة غصن كانت مبررة، وقال غصن: ”إنها معركة غير متوازنة، فالشركات لديها موارد كبيرة“.
 
الابتعاد عن التوتر
 
من جانبهم طلب المسؤولون اللبنانيون من غصن ألا يقول أي شيء قد يخلق توترا بين بيروت وطوكيو، وكان هذا يعني التقليل من ظهوره العلني بعد أن ظهر أول مرة في مؤتمر صحفي في 8 يناير/ كانون الثاني ووبخ ”نيسان“ ونظام العدالة الياباني.
 
وفكر غصن في انتقاد الحكومة اليابانية واتهام المسؤولين بالتآمر مع ”نيسان“ على توريطه في الأزمة، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر، ولكنه امتنع عن ذلك عقب تعليمات المسؤولين.
 
 وأنكرت كل من ”نيسان“ والمدعين اليابانيين أنهم تآمروا على غصن، وقال ممثلو الادعاء إنهم أجروا تحقيقهم الخاص.
 
وأبلغت اليابان، الرئيس اللبناني أن ”مغادرة غصن غير الشرعية من اليابان ووصوله إلى لبنان أمر مؤسف للغاية ولا يمكن تجاهله من قبل حكومة اليابان“، ولم يرد مسؤولو الحكومة اللبنانية على طلبات التعليق.
 
ويعتبر الإضرار بعلاقة الدولة بالدول الأخرى جريمة في لبنان، وقال غصن في وقت لاحق: ”لن أفعل شيئا خارج المعقول يهدد العلاقة بين البلدين“.
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد