قراءة تحليلية في الاتفاق الثلاثي الاماراتي الاسرائيلي الامريكي

mainThumb

22-08-2020 01:00 PM

الاتفاق الثلاثي الاماراتي – الاسرائيلي - الامريكي – نقطة تحول استراتيجية في تاريخ العلاقات الاسرائيلية العربية ، وهواستكمال طبيعي وتاريخي لمعاهدتي كامب ديفيد ووادي عربة واتفاق اوسلو،ويرتكز على قرارات الشرعيه الدولية والعربية والفلسطينية ، التي تقوم على مباديء الارض مقابل السلام والأمن ، وحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على ارض وطنه فلسطين ،وعاصمتها في القدس..


لقد وضعت هذه الاتفاقيات أسس بناء الدولة الفلسطينية ، ورسمت اطارا رسميا لتطبيع العلاقات بين اسرائيل وكل من الاردن وفلسطين ومصر، الا ان كل ذلك لم يتحقق فعلا ، على ارض الواقع ، فلم تتحول "السلطة " الى دولة بسبب الانقسام الفلسطيني وتعنت اليمين الاسرائيلي ،وبقي التطبيع رسميا لاعتبارات ذات صلة بالصراع الدموي العربي اليهودي .وتوقف قطار السلام تماما ، على حساب معاناة الشعب الفلسطيني، الذي حقق رقما قياسيا عالميا في نضاله المسلح والسلمي لاستعادة حقوقه المشروعة .


من هناء جاء الاتفاق الثلاثي – الاماراتي -الاسرائيلي – الامريكي – الذي اشترطت فيه القيادة الاماراتية، بموافقة اسرائيلية وضمانة امريكية ، وقف قرارات اسرائيل بضم الاراضي ، والحفاظ على مكانة وقدسية المسجد الاقصى المبارك كتراث عربي اسلامي ، وتحقيق سلام عادل وفق المرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية الاسرائيلية يقود الى تأسيس دولة فلسطينية مستقله على التراب الوطني الفلسطييني .

صحيح ان الاتفاق الثلاثي الأخير ،استكمال استراتيجي لاتفاقات السلام العربيه الاسرائيلية السابقه يؤكد مضامينها ، الا انه مختلف عنها في المعطيات التاريخية والجيوسياسيه والديمغرافية.

لقد استهدفت الاتفاقيات العربية الاسرائيلية السابقة، كبح جماح اسرائيل والحيلولة دون توسعها على حساب الا ردن ومصر، والتوصل الى حل مقبول للقضية الفلسطينية.

ونجحت هذه الاتفاقات ولأول مرة ، بترسيم حدود جغرافية للدولة اليهودية، معترف بها دوليا وقانونيا ، مما حال دون توسعها على حساب الاردن ومصر ، واصبحت حدود الدول الثلاث آمنه مستقرة .. كما نجحت هذه الاتفاقيات في انتزاع اعتراف اسرائيل بحق الفلسطينين في تاسيس دولة مستقله لهم عاصمتها في القدس، لكن ذلك لم يتحقق تماما، ، كما لم تتحسن نوعية الحياة لشعوب الاردن ومصر وفلسطين ، كما هو مفروض ومتفق عليه في هذه الاتفاقيات التي نصت على تطبيع كامل تدريجي للعلاقات العربية الاسرائيليه ، ينعكس ايجابيا على حياة شعوب المنطقة .

ذلك لم يتحقق حتى الان ، لأن مسيرة التاريخ العربي اليهودي، اتشحت بالسواد، والدم ، والتهجيرالقسري ، والعنف المتبادل ،، دون تحقيق تسويه مقبولة رسميا وشعبيا يرضى به الجميع .. عزز ذلك اليمين الاسرائيلي والانقسام الفلسطيني .

اما الاتفاقية الثلاثيه الاماراتية الاسرائيلية الامريكية المدعومة من المجتمع الدولي كله، فقد تمكنت كما يبدو - حتى قبيل توقيعها رسميا - من تجاوز كل العراقيل التي واجهت الاتفاقات والاتفاقيات العربيه الاسرائيليه السابقه ، ذلك لأن عوامل نجاحها تكمن فيما يلي :

اولا : تاريخيا فان العلاقات الأماراتية – الأسرائيلية ، لم يتخللها مايمكن ان يعكر صفو تقدمها ، فلم تتشح اصلا بالسواد ، والدم ، والتهجيرالقسري، والعنف المتبادل ، لعدم وجود مايمكن ان يتسبب بذلك ، اذ لايوجد حدود مشتركه بين الجانبين ، او نزاع مباشرعلى الارض ، او اطماع من اي طرف بالاخر. رغم ان الامارات وقفت وعلى مدى كل العقود السابقة ، مع امتها العربية في مواقفها السياسية ، ودعمتها سياسيا وماليا ، وفتحت ابواب الامارات على مصراعيها ، لشباب وشابات فلسطين والاردن ومصر للعمل فيها، وقدمت لهم كل التسهيلات والامتيازات ، مما كان له الاثرالفعال في الارتقاء بنوعية الحياة لشعوب هذه الدول ونهضتها الاقتصادية .

ثانيا : ان الاتفاقيه الثلاثية ضمنت الوصاية الهاشمية على قبة الصخرة المشرفة والمسجد الاقصى المبارك ، مما سينهي احلام المتطرفين اليهود في تهويده ،كما عززت الاتفاقية الاتفاق الاردني – الاسرائيلي -الامريكي بالوصاية الهاشمية على المسجد الاقصى .فاشترطت الاتفاقيه الثلاثيه بضمانات امريكية جديدة ، ان يبقى المسجد الاقصى ، ارثا اسلاميا مقدسا ومحجا لجميع المسلمين في العالم للصلاة فيه ، من خلال تسيير رحلات طيران منتظمة ومباشرة الى القدس ، سواء للحجاج المسلمين الراغبين بالصلاة في "الاقصى " او الحجاج المسيحيين الراغبين بزيارة الاماكن المسيحية المقدسه في القدس وكل فلسطين ، الامر الذي سيجعل القدس واهلها و كل فلسطين" قبلة – بكسر القاف - العالم الاسلامي والمسيحي على حد سواء " وقبلته ( بضم القاف ) بنفس الوقت .

ثالثا : ان الامارات دولة اتحادية، ذات ثروات نفطية هائلة ، وموقع جيوسياسي مهم للغاية ،وقوة مالية واقتصاديه لايستهان بها ، ذات قدرات سياسيه كبيرة ، ومكانة دولية رفيعة ، و تعدديه ديمغرافيه لانظير لها عالميا ، تبوات درجات متقدمة في جميع المجالات ، تتمتع بالامن والاستقرار والازدهار ، مما سيجعلها بتوقيع الاتفاق الثلاثي ، نقطة تنويرمحورية عالميه ، تجتمع على ارضها الثروات بكافة اشكالها والخبرات التقنيه العالميه من كل دول وشعوب العالم ، لتكون منارة للتقدم والازدهار والسلام ، لتصبح الامارات سويسرالعرب ، والدولة الريادية التي تشكل مع اشقائها في الاردن ومصر ودول الخليج مجتمعة، رافعة للامة العربية ،وشعوبها .

رابعا : ان قوى الشد العكسي لاي اتفاق مع اسرائيل غير موجوده في الامارات ، بعكس ماهو حاصل في الاردن وفلسطين ومصر، حيث تمارس قوى ظلامية ضغوطات كبيرة على الحكومات بهدف تجميد العمل باتفاقات السلام ، وهي نفس مطالب اليمين الاسرائيلي . لأن المتطرفين مهما كانت جنسياتهم وافكارهم يعملون جميعا لهدف " تخريبي " واحد ، متفقون عليه ضمنا ، رغم انهم يقولون عكس ذلك تماما

خامسا : ان الاتفاق الثلاثي اشترط على اسرائيل تجميد جميع مشاريع الضم التي التزمت بها حكومة نتنياهو، والذي اعلن بدوره انه ملتزم بتنفيذه ، وانه لن يتنازل عن الاتفاق مقابل الضم ، في حين اكدت الادارة الامريكيه انها ستضمن التزام نتيناهو بنصوص الاتفاق الثلاثي ... وبذلك يكون هذا الاتفاق قدانقذ مشروع الدولة الفلسطيينية، واعاد القضية الفلسطينيه كلها الى طاولة المفاوضات ،بدعم رسمي امريكي والتزام اسرائيل امام العالم .

سادسا : الاتفاق الثلاثي نابع من موقف سيادي لدولة الامارات العربيه المتحدة ذلك انه فضلا عن كونه ياتي في اطار الجهد العربي لايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية ، فانه يروم الى وقف التدخلات الايرانيه في القضية الفلسطينة وفي الدول العربيه الشقيقه من خلال سعي القيادة الايرانية الحالية للتمدد عسكريا وامنيا وسياسيا عبر دول عربيه لاستخدامها ادوات لها لتحقيق اهدافها التوسعيه في الهيمنة على قرارات هذه الدول وثرواتها وشعوبها لصالح خدمة الاجندة الايرانيه ، وتعمل على اثارة الفتن والقلاقل والاضطرابات في الدول العربيه لضمان بقائها رهينه لسياساتها

وبعد

فان الاتفاق الثلاثي يمكن ان يكون بداية عصر جديد اذا التزمت اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية بتنفيذ بنوده ، مما يستدعي ان يتكاتف العرب، وفي مقدمتهم الفلسطينيون، معا لاحداث اختراق في الموقف الاسرائيلي ،بعد الاختراق الدبلوماسي الاماراتي الناجح الذي حظي بدعم عالمي غير مسبوق .

انها فرصة ثمينة اخرى، امام الامة العربيه وامام الفلسطيين بالذات، لاعادة تحريك القضيه الفلسطينية ،التي وصلت قبيل الاتفاق الثلاثي ، الى مرحلة التصفية النهائية .

قد تكون هذه الفرصة هي الاخيرة، المتاحة حاليا ، التي ينبغي استثمارها ايجابيا ، حتى يتخلص الشعب الفلسطيني من معاناة متواصلة منذ اكثر من سبعة عقود ، وعلى مدى اجيال ،قدم فيها من الشهداء والتضحيات والعذابات مالم يقدمه شعب في العالم

• صحفي وكاتب وباحث



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد