العرض المجنون ومقايضة أمريكية لتركيا ب F35 مقابل تزويد كييف ب400 S الروسية !

mainThumb

28-03-2022 10:35 AM

حملةُ الأراجيف المتبادلة تتوالى بين الخصمين في الحرب الروسية الأوكرانية في إطار معركة عض الأصابع دون أن تقلل هذه الأكاذيب التضليلية من حقيقة خطورة هذه الحرب المدمرة بكل المقاييس على الخصمين ودول العالم في كافة الصعد، وخاصة الناحية الاقتصادية في عالم يعتمد على الدولار  ونظام سويفت وقد تحولا إلى سلاح ضد روسيا.

  هذه المواجهة الشاملة بيَّنَتْ أن أوكرانيا مجرد بيدقٍ أمريكيٍّ يتم تحريكه بأصابع العم سام؛ لمواجهة اللاعب الروسي المحترف في حرب لا تبقي ولا تذر، ما يؤكد بأنَّ الحرب برمتها مجردُ مواجهةٍ غير مباشرة بين أعظم قوتين عالميتين، روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهما قوتان تمتلكان من الأسلحة النووية ما بوسعها تدمير العالم لعدة مرات. وحتى تصبح هذه الأسلحة النووية واقعية في استخدامها؛ تم تصنيع أسلحة نووية تكتيكية محدودة التأثير يمكن استخدامها في الحروب التقليدية لتغيّرَ قواعدَ اللعب على الأرض. 
ولدى الخصمين الروسي والأمريكي الكثير من هذا النوع من القنابل التكتيكية المدمرة.
ولكن ما يخيف أمريكا أكثر أن العقوبات الاقتصادية على روسيا اتخذت طابعاً طويل الأمد، في مواجهةٍ كان لأمريكا دورٌ بارزٌ في تأجيجها، وسوف يكون لها ارتداداتٌ مدمرةٌ على اقتصاديات خصوم روسيا الغربيين المنضوين تحت مظلة الناتو وخاصة ما يتعلق بأسعار البترول والغاز وانعكاس ذلك -بالتالي- على أسعار جميع السلع التي بدأت بالارتفاع ناهيك عن التأثير السلبي لانقطاع القمح الروسي والأوكراني عن العالم. 
وتدرك أمريكا بأنها لا تمتلك العصا السحرية لتعويض الخسائر الأوروبية في حرب تجاوزت إرادة القوى العظمى وترتبط نتائجها بالخصم الأقوى القادر على تحقيق أهدافه بعد نصر مبين. 
وما يخيف أكثر هو أن سياسة التحييد للسلاح الأمريكي الحساس من شأنه أن يقيّد قوة أمريكا العسكرية نسبياً، وهذا الخوف له ما يبرره،  ويأتي في الغالب لسببين:
أولهما انكفاء الناتو عن المشاركة في مواجهة الروس ما دامت موسكو تحتل جزئياً أوكرانيا غير العضو في الناتو، وأي تدخل غربي مباشر قد يجر الناتو إلى مواجهة نووية تكتيكية مدمرة مع روسيا في سياق الحرب الشاملة، علماً بأنه لدى الطرفين ترسانة ضخمة من هذه القنابل التكتيكية، التي تخزن منها أمريكا في أوروبا وتركيا ما يقارب المائة قنبلة نووية تكتيكية. 
والثاني حرمان الجيش الأوكراني من الباتريوت وطائرات الشبح F35 حتى لا تقع في يد الخبراء الروس فتتم سرقة أسرارها إذا ظفرت موسكو بالنصر الوشيك؛ لذلك وقف الناتو عاجزاً أمام مطالب أوكرانيا بفرض حظر جوي على الأجواء الأوكرانية المستباحة روسياً. 
إذن فهل من سلاح رادع بديل يُمَكِّنُ دفاعَ الجو الأوكراني من التصدي بفاعلية للطيران الروسي المتنمر، الذي يستفرد بالأجواء الأوكرانية المستباحة دون حسيب أو رقيب، في معركة غير متكافئة بعد أن دمر الروس في بداية المعركة معظم البنية التحتية العسكرية لأوكرانيا وخاصة المطارات!
 وهذا بحد ذاته يفسر لهاث الإدارة الأمريكية نحو إرضاء بعض حلفاء أمريكا ممن لا تثق بهم، بعروض عسكرية سخيّة مقابل تزويد أوكرانيا بأسلحة روسية متطورة.
وهو ما حدث مع تركيا تحديداً! رغم أنها مدرجة -ضمنياً- في قائمة الأعداء المحتملين منذ وصول أردوغان إلى السلطة على خلفية اتهامه لوكالة المخابرات الأمريكية بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية التي استهدفته عام 2016 بدعمها لجماعة غولن المعارضة حيث يقيم زعيمها في واشنطن.
ورغم وجود القاعدة الأمريكية الجوية "إنجرليك" في تركيا، والتي استخدمتها أمريكا في حربها ضد العراق "عاصفة الصحراء" في العقد الثامن من القرن الماضي، فضلاً عن استخدامها كمركز تخزين إقليمي من قبل القوات الأمريكية، خاصة احتوائها (وفق تسريبات صحفية) قرابة 50 قنبلة نووية أمريكية من النوع التكتيكي طراز B-61؛ رغم كل ذلك منعت تركيا من اقتناء الطائرة الأمريكية الشبح F35 في مايو 2021 وأخرجت من برنامج تصنيعها بسبب شرائها لمنظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 بذريعة عدم قدرة أمريكا على تزويد تركيا بالباتريوت دون قرار مسبق من الكونغرس، إلى أن تقدمت أمريكا بعرضها الأخير لتركيا بالسماح لها بامتلاك طائرة الشبح الأمريكية F35 مقابل تزويد تركيا لأوكرانيا بتلك المنظومة الدفاعة الجوية الروسية المتفوقة.
 السلطات التركية من جهتها لم تعلق على الخبر ربما لتنأى بنفسها عن رقعة الشطرنج التي يتحكم ببيادقها خصمين هما الأقوى في العالم، موسكو وواشنطن. 
وأنقرة تعتبر نفسها لاعباً إقليمياً مؤثراً، وهي ليست لقمة سائغة يمكن ازدرادها بسهولة، في حرب يمكن الاستفادة منها بطرق أخرى كتمرير الغاز الإسرائيلي (الفلسطيني المسروق) عبر الأراضي التركية إلى أوروبا كبديل للغاز الروسي المختلف عليه في ظل الأزمة الأوكرانية وخاصة أن روسيا طلبت من غير أصدقائها شراء الطاقة منها مقابل الروبل الروسي ما قد يشكل ضربة قاسية للدولار.
وتركيا أيضاً لديها علاقات متوازنة مع روسيا، ولهذا فمن الصعب عليها أن توافق على إعطاء هذه المنظومة الدفاعية لكييف، كما أن لديها -وفق مراقبين أتراك- جملة التزامات وعقود شراء لهذه الصواريخ الحساسة تمنع أنقرة من اعطاءها لدول أخرى أو استبدالها، لا سيما وأن S- 400 سلاح دفاعي عليه شروط وضوابط روسية صارمة، ويمكن لروسيا تقنياً تعطيل هذه المنظومة الصاروخية متى أرادت ذلك، فقبول هذه المقايضة الأميركية يعتبر صعباً ومكلفاً على صعيدين سياسي واستراتيجي وفني على أنقرة.
وضع في الاعتبار أن ذلك أيضاً من شأنه أن يقوض جهود أنقرة الرامية إلى جمع الطرفين الروسي والأوكراني مرة ثانية ليصلا إلى اتفاق مكتوب رغم فشل المرحلة الأولى منها. 
ويبقى السؤال منتصباً دون جواب! فهل من خيارات أمريكية أخرى أم أن الخوف على الأسرار العسكرية قد قلب السحر على الساحر وانقضى الأمر! وهل التلويح بالقنابل النووية التكتيكية يأتي استكمالاً لأكبر حرب تضليلية شهدها العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
إذن فما الجدوى من تلك الأسلحة الفتاكة ما دامت مُلْجَمَةً حينما يتعلق الأمر بروسيا! تلك الدولة النووية التي أزالت الأقنعة عن وجوه كلٍ من أمريكا وحلفائها الغربيين ووضعتهم أمام اختبار وجودي صعب وقاسي!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد