هويتنا الأردنية هوية نضالية

mainThumb

13-06-2009 12:00 AM

د. بسام البطوش

تعيدنا العقلية والمخططات والممارسات الصهيونية في كل لحظة إلى المربع الأول،وتدفعنا دوما لتلمس مواقع أقدامنا والتثبت من سلامة مواقفنا ،وليس لدى كل من يفهم المشروع الصهيوني اي جديد في مناقشات الكنيست الإسرائيلية حول الدولة البديلة والوطن البديل. لكن ما يثير الاهتمام ان تترافق التخرصات الصهيونية مع هجمة إعلامية تستهدف صورة الأردن وتاريخه ونظامه ومواقفه بالتشويه والتجني .
ندرك أن النشؤ السياسي الأردني منذ البواكير الأولى كان نقيضا للنشؤ الاستعماري للكيان الإسرائيلي،وأن الخطوة التاريخية الانقاذية التي قادها الملك المؤسس بتأسيس الإمارة الأردنية بإسم لافت ولايخلو من الدلالات(إمارة الشرق العربي) شكلت ا نقبضا نضاليا عربيا هاشميا جادا للمشروع الصهيوني ،وأنقذت هذا الحمى العربي من براثن الوعد المشؤوم. لكن الدوائر الصهيونية ظلت تعارض هذا العمل الإنقاذي ،وأفرزت العقلية الصهيونية سيناريوهات عدوانية متعددة للتعامل معه!!
الهوية الوطنية لشعب من الشعوب تصبح هوية نضالية عندما يتهددها الآخر بمحاولة إلغائها، او شطبها أو الانتقاص منها ، فيستدعي ذلك النظر إلى حمايتها كشكل من اشكال النضال الوطني، ويتطلب تفعيل الشعور بأن العمل على صونها وحمايتها لايندرج فقط في سياق الفعل الوجداني ،بل تتأكد أهميته في إطار الضرورات الكفاحية.ومن هنا كان إيماننا كأردنيين وفلسطينيين بوجوب النظر للهوية الفلسطينية كهوية نضالية ،ينبغي حمايتها وصونها والدفاع . و تنبه الميثاق الوطني الأردني إلى أن الهوية الوطنية الأردنية تتعرض لمخاطر شبيهة ،فأكد انها من هذا المنظور تعد نقيضا للمشروع الصهيوني وتحصينا للاردن من مخططات الصهيونية ومزاعمها المختلفة .
ويشدد الميثاق الوطني على نضالية الهوية الأردنية كما الفلسطينية في مواجهة الخطر الصهيوني. و يؤكد أنه في ضوء خصوصية العلاقة الاردنية - الفلسطينية وتميزها ، لايجوز باي حال من الاحوال ان تفهم هذه العلاقة او ان تستغل اي حالة فيها من اي طرف وتحت اي ظرف،لتصبح مدخلا للانتقاص من حقوق المواطنة وواجباتها ، او سببا لاضعاف الدولة الاردنية من الداخل ، وخلق الظروف التي تؤدي الى تمرير المشروع الصهيوني لتحويل الاردن الى بديل عن فلسطين . وبهذا المفهوم يصبح الالتزام بأمن الاردن الوطني والقومي مسؤولية تقع على عاتق المواطنين جميعا .
ومن البدهي ان أي تاكيد لنضالية الهوية الأردنية يأتي فقط في مواجهة الطروحات الصهيونية حول الوطن البديل و الدولة البديلة، وهذا يذكرنا بأهمية التأكيد بأنه لايجوز باي شكل من الأشكال المس بالوحدة الوطنية الاردنية . و نضالية الهوية الوطنية الأردنية يستلزم في مقدمة ما يستلزم حماية الوحدة الوطنية وترسيخها ، بما يعزز منعة الاردن ، ويحفظ امنه الوطني ، ويحمي جبهته الداخلية ، ويضمن الفرص المتكافئة لجميع المواطنين دون تمييز .
وإذا ما رغب أحد في التساؤل عن مبررات ومقومات القول بنضالية الهوية الوطنية الأردنية ؛ فما علينا إلا أن نقول أنها وليدة مخاضات كفاحية شاقة منذ قرن من الزمان ويزيد، منذ ثورة الكرك 1910 ،والمساهمة الأردنية النوعية في النهضة العربية الكبرى،والوعي الأردني المبكر على الخطر الصهيوني منذ صدور وعد الشؤم،ومذ كان اجتماع قميم ،واستشهاد الشيخ كايد المفلح ،وتأسيس الإمارة، وتبلور الحركة الوطنية الأردنية بزعاماتها الوطنية وبرنامجها الوطني المقاوم للانتداب والصهيونية،و مذ كان الجهاد الأردني مساندة لفلسطين واهلها ،وتطيّيبا للثرى الفلسطيني بدماء الأردنيين الأطهار من جنود الجيش العربي ومن إخوانهم المتطوعين.واستند الأردنيون إلى جبال من الصبر والقيم والمثل وشهامة الرجال اعانتهم عبر السنين المثقلات بصنوف التحديات والأهوال على القبض على جمر الانتماء العروبي الاسلامي ،وإيثار الشقيق ،ونكران الذات ، والتسامي الى الذرى الشاهقات بعيدا عن خاصة شأنهم؛ فخاضوا حروب الأمة ومعاركها بكل نخوة وشرف ،غير آبهين بمصالح خاصة أو منافع ذاتية .وهذا التسامي الرفيع أخجلنا لعقود من إبراز هويتنا الوطنية،في الاعلام والأدب والمناهج والثقافة والسياسة والادارة والتشريع.. ،وعندما كنا نلتفت بين الفينة والأخرى لخاصة شأننا كنا نقارب الأمر بكثير من الخجل حينا أو الشعور بالذنب أحيانا ،ولم نضمّن مناهجنا إلا ما يكفل لنا سلامة القلوب والعقول والضمائر ،وما يحفظ لنا هذا النفس العروبي الانساني المتوقد بين جنبات أجيالنا ،ولم نهتم بتدريس التربية الوطنية في مناهجنا في التعليم العام إلا بعد مؤتمر التطوير التربوي 1987،وفي جامعاتنا لم بتخذ قرار تدريس التربية الوطنية إلا في العام 2004،وعندما رفعنا شعار الأردن أولا ،وشعار كلنا الأردن ،نظر الناس للأمر بشيء من التعجب والتساؤل البريء حينا والمغرض أحيانا.
وهانحن نقف مندهشين عند نتائج الدراسة التي تحمل عنوان (الشباب الأردني: الاتجاهات والقيم والتصورات) عندما نلمس تقدم الهويات كلها على حساب الهوية الوطنية، ففي تحديد الشباب لمرجعيتهم التي ينتمون لها لانجد سوى 0ر31% يجيبون ان هويتهم أردنية .فيما توزع 69% على الهويات الدينية والعشائرية والعربية والمناطقية .

من هنا فإن التوجيهات الملكية للاعتناء بالشباب وبناء الهوية الوطنية الجامعة التي تعظم الجوامع وتهون من الفوارق،وترتقي بالحس الوطني للأجيال في إطار من الايمان بان الفيصل في الانتماء والولاء هو الانجاز والعمل والمواطنة الصالحة، تؤكد الحاجة الى عمل وجهد دائبين لترجمة التوجيهات الملكية لرعاية الشباب ، وهذا يستلزم من مؤسسات الرعاية الشبابية ومؤسسات التوجيه الوطني أن تشمر عن سواعد الجد والعمل وفق منهجية عملية بعيدا عن التنظير والمباهاة الاعلامية، لتعزيز البناء السيكولوجي والمعرفي للشباب الأردني . ولا شك أننا بحاجة الى المزيد من الصدق والنزاهة في فهم هذه التوجيهات وفي ترجمتها على الأرض وأن لانتعامل معها وفقا لمبدأ (ولاتقربوا الصلاة) ونجعل منها منفذا لتطبيق أجندات خاصة مناقضة تماما للأجندة الوطنية الهادفة إلى حماية الهوية الوطنية الأردنية النضالية الجامعة وتعميق معانيها السامية في نفوس الشباب، فنحن اليوم أمام صراع حقيقي للسيطرة على مستقبل الأردن من خلال السيطرة على عقول الشباب،وتعترك في هذا الميدان أحزاب( أردنية ) لاتعنيها الهوية الوطنية الأردنية!! ومؤسسات مجتمع مدني ممولة من جهات أجنبية مشبوهة في كثير من الحالات، و تدخل على ساحة الصراع والاستقطاب قوى التطرف والتكفير،وجنود الشيطان المسخرين للترويج لكل الآفات والأمراض.
وفي كل الأحوال ؛فإن الأمر الذي ينبغي التوقف عنده طويلا هو أننا لسنا مجرد كيان يهتز لأدني ريح حاقدة تهب عليه من هنا أو هناك، فقد أثبت الأردن بقيادته الهاشمية الشجاعة الحكيمة وبشعبه الواعي أنه عصي على كل التخرصات والآحقاد والمؤامرات،وقد مرّ على الأردن محطات قاسية جدا اثبت فيها الجميع قدرة خارقة على حماية البلد ،وانتزاع حقه في الوجود الآمن المزدهر من بين أنياب الحقد والمكر والعدوان..
وجلالة الملك واضح كل الوضوح في مواقفه وتوجيهاته ،وهو يعلمنا في كل لحظة الثقة بالنفس ،ويؤكد لنا وللعالم أجمع انه (لا يوجد في قاموسنا شيء اسمه الوطن البديل)؛ فالأردن في الرؤية الملكية كبير وقوي وصامد ،ولن تناله سهام الحقد والتآمر والمناكفات الإعلامية الصهيونية وغير الصهيونية . وما على الأردنيين سوى الالتفاف حول الرؤية الملكية للأردن القادم،والنهوض بمسؤلياتهم لحماية الأردن وطنا هاشميا عربيا منيعا آمنا مزدهرا .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد