أهون موجود وأعز مفقود

mainThumb

09-06-2025 05:43 PM

ليس الماء ما أقصده بالعنوان، بل أقصد "الدولة"، فللدولة شأن عظيم في تقدم الأمم وتأخرها، من باب حفظ حقوق البشر وأرواحهم وتحضرهم القائم على تكليف الله للانسان باعمار الأرض بالحق والعدل، ولذلك كانت هي الأساس في الدين الخاتم الذي قدر له الخالق أن يستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لكن عندما اختطفت الدولة الراشدة، انحرفنا عن الجادة، وظل الانحراف يزداد حتى سقطت الدولة العثمانية، فأصبحنا ضياعاً.. ذهب دماغنا وفقدنا الاحساس بأعضائنا الحيوية، وما عاد عضو يحس بالآخر.

من الصعب أن تبني دولة من الصفر في واقع دولي معادٍ لكل توجهاتك، لكن قد تستطيع الحصول عليها إذا بناها الموقف الدولي في حال صراعه وتبدله، والموقف الدولي الآن يتبدل، يعني أن أي جهد في اتجاه بناء دولة حتى لو كانت دون المستوى هو خطوة في الاتجاه الصحيح، إذا تعذر بناء دولة على أسس صحيحة ابتداء.
الشعب الذي يريد انتزاع دولة من هذا الموقف الدولي المعادي للحق والعدل، والظالم الذي لا يملك قيماً ثابتة بل لا يرى للضعيف حقاً، فالشعب بحاجة لدولة تحفظ له أرضه وحياته ومقدراته ومعتقداته، وإن كان ذلك مرحلياً.. ولا بد للعاملين من خداع الموقف الدولي ليبقي شعلة الحياة في دولته متقدة يحيطها بيديه أو يحيطها العاملون لها باجسادهم وأرواحهم ليحموها من رياح الغدر والجهل والتهور حتى تبقى مشتعلة، فإنها إذا قدر لها وعظمت نارها وأصبحت عصية على الرياح وإن أحاطت بها، فلها أن تجهر بما تريده وتعلن عن مبدئها وسياستها الداخلية والخارجية، وتبني قوة تحفظ بها وكيانها، فإن ذلك من أساليب المحافظة على الدولة في وسط معادٍ ومجرم،

لذلك فالدولة التي تعمل لشعبها ومستقبل أجيالها هي التي تتجنب أي عملية مواجهة مع المجرمين، تدخلها في حرب أو صراعات في مراحلها الأولى لأن مناعتها تكون ضعيفة، وأي انزلاق لها في صراع مع الخارج سيقضي عليها.

ثم إنه من غير المتوقع، أو هو خيال مجنح ليس له واقع يحط عليه، أن تقوم جماعة تملك سلطة، أو دولة مستقلة تابعة للموقف الدولي ، بمنحنا دولة على سبيل الهبة، وبالأخص إذا كانت أهدافنا معلنة ولا ننفك نتوعد يميناً وشمالاً قبل أن نحصل عليها.. لذلك من عنده مبدأ ويحتاج إلى دولة ولا يستطيع بناءها من الصفر، وهذا البناء يحتاج إلى عمل متواصل وتضحيات كبيرة، فإما أن يتسلل من خلال دولة قائمة يشاركها الحكم، من خلال مؤسساتها معتمداً على الدعم الشعبي له حتى تكون له الغلبة ويستلم الحكم وهذا الخيار يحتاج أيضاً إلى عمل سياسي دؤوب وذكي من خلال الدخول في مؤسسات الدولة وممارسة السياسة والادارة لتساعده على الثبات والاستمرار، في حال نال ثقة الشعب وأوصله إلى الحكم..
في تاريخنا الإسلامي قامت حركات وحاولت الوصول إلى الحكم، وبعد أن طال عليها الأمد انشغلت بالفقه أو بالفكر وأغفلت السياسة ودراسة الواقع وأساليب التغيير.. فظلت مئات السنين في خمود، وعندما جاءتها الفرصة قدمت نموذجاً ضعيفاً ينشغل بالفقه وينسى السياسة، ففشلت وأفشلت الأمة..
هذا الزمن زمن التغيرات الكبيرة، وعلى من يعتقدون أنهم أحزاب سياسية أن يكونوا مستعدين لأي فراغ سياسي يحدثه الموقف الدولي ويملؤوه بكفاءات سياسية، تعرف الموقف الدولي بتفاصيله الدقيقة وتتعامل معه باحتراف ومرونة مبتعدة عن التحجر وعقلية "البعد الواحد"..!! في حال أن أعداءهم تعدوا البعد الرابع والخامس.. بمعنى أنهم يغرقون في قراءة النصوص "البعد الأول"، ولا يتعدونها إلى العمل والحركة والأخذ بالأسباب ويواجهون عدوهم بنفس اساليبه وإعداده..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد