الجهل آفة الشعوب رغم تعلّمهم

mainThumb

09-06-2025 06:09 PM

في عالم تتسارع فيه وتيرة المعرفة وتنتشر فيه وسائل التعليم انتشار النار في الهشيم، يخيّل إلى الناظر أن الجهل قد وُئد، وأن الشعوب قد بلغت من الوعي مبلغًا يجعلها عصيّة على التراجع أو الانحدار. لكن الحقيقة المؤلمة أن الجهل ما زال يتسلل إلى العقول، لا من باب الأمية، بل من أبواب أخرى أكثر خفاءً وخطورة: كالتلقين، والتعصّب، واللامبالاة، وغياب التفكير النقدي.
إن الجهل لم يعد مقصورًا على من لا يعرف القراءة والكتابة، بل بات يتجلّى في أولئك الذين يملكون شهادات مرموقة، لكنهم يفتقرون إلى الفهم الحقيقي، والتحليل المنطقي، والرؤية المستقلة. فأن تتعلم دون أن تفكّر، وأن تحفظ دون أن تسأل، وأن تكرّر دون أن تفهم، هو نوع من الجهل المقنّع الذي يستوطن المجتمعات ويعيق تطورها.
كم من مجتمعات رفعت شعارات النهضة والتعليم، لكنها في ممارساتها اليومية أسيرة للخرافة، ومستسلمة للمعلومات المغلوطة، ومنقادة وراء الشائعات. وكم من شعوب أنفقت المليارات على التعليم، لكنها لم تنجح في بناء إنسانٍ حرّ التفكير، ناقدٍ للواقع، مسؤولٍ عن قراره. فالمشكلة ليست في قلة المعرفة، بل في غياب القدرة على توظيفها.
الجهل الذي نتحدّث عنه اليوم ليس قلة في المعلومات، بل هو تعطيل للعقل. هو الاستسلام للأجوبة الجاهزة، والانقياد الأعمى خلف من يدّعي امتلاك الحقيقة. وهذا النوع من الجهل هو الأخطر، لأنه لا يُرى، ولا يُعترف به، ويأتي متنكّرًا في هيئة "ثقافة"، أو "عادات"، أو "قناعات شخصية".
إن الشعوب التي لا تنتقل من التعليم إلى الوعي، ومن التلقين إلى النقد، ومن الحفظ إلى الفهم، تبقى رهينة للجهل، وإن تزيّنت بمدارس وجامعات وشهادات. وإن النهضة الحقيقية لا تبدأ من عدد المدارس، بل من سؤال بسيط يطرحه الطفل على معلّمه: "لماذا؟"
فهل نجرؤ على أن نعلّم أبناءنا كيف يسألون؟ وهل نتحمّل مسؤولية أن نكون شعوبًا تعي، لا فقط تتعلّم؟
هذا هو التحدّي الأكبر، وهذا ما سيحدّد إن كنا نسير نحو المستقبل، أم نعيد تدوير الجهل في أثواب جديدة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد