رسالة إلى امرأة متأففة!

mainThumb

29-09-2009 12:00 AM

د. خالد سليمان

مؤخراً، اطلعت متأخراً فيما يبدو، على تعقيب يتناول مقالة نشرت لي تحت عنوان "الحجاب المشوه مرآة لمجتمع مشوه". سطرت التعقيب المثير الذي جاء نابضاً بالحرقة والعفوية، حتى أنه كتب باللهجة العامية، امرأة أغفلت ذكر اسمها لسبب أو لآخر، مكتفية بالتوقيع على مقالها بحرف الفاء الذي كررته متشابكاً ثلاث مرات، لذلك ارتأيت أن بالإمكان تسميتها "المرأة المتأففة"! ولأن المقال قد استفزني فعلاً بما جاء فيه من أفكار مشوشة كثيراً ما كنت أسمعها، وربما أسهم في الجدال بشأنها مع بعض دعاة التقدمية والحداثة والعصرنة وأدعيائها ـ وإن تكن صاحبة التعقيب تؤكد عدم انتمائها إلى أي من تلك الفئات ـ وجدت نفسي أكتب هذه الرسالة إلى تلك المرأة المتأففة فأقول:

عزيزتي المتأففة!

أعتذر لأني تأخرت في الرد على تعقيبك العفوي والمتدفق الذي أشكرك وأحترمك كثيراً لتجشمك عناء كتابته، فلم أر التعقيب إلا مؤخراً، وأنبه فأقول أنني احترمك لتعقيبك الصريح والصادق، ولا أقول بأنني احترم بعض ما جاء في التعقيب نفسه، وثمة فرق شاسع وجوهري لا يفطن إليه الكثيرون بين وجوب احترام الإنسان، كإنسان، من جانب، لأن هذا أمر لازم وضروري إنسانياً ودينياً وأخلاقياً، ولا يمكن التساهل فيه، ووجوب احترام آرائه من جانب آخر؛ إذ قد لا يكون من الحكمة والتعقل والكياسة احترام أفكار لعلها لا تخلو من السذاجة وقلة النضج، حتى وإن انحنينا إجلالاً لنبل صاحبها وسلامة مقاصده!

لست أنا يا سيدتي المتأففة، وليس أهل الحجاب، من اختزل المرأة في حدود الجسد عندما اعتبرها فتنة كما تزعمين، التاريخ الإنساني فعل ذلك منذ البدء، وربما تكون طبيعتنا البشرية قد أسهمت في تقرير ذلك منذ التكوين، فأينما يممت وجهك في أصقاع الدنيا، عبر مسيرتها الطويلة الممتدة، فسترين الرجال عموماً يميلون إلى النظر إلى المرأة كموضوع وكجسد وكفتنة، ولن تستطيعي أنت أو أنا؛ أو يستطيع أحد تغيير هذه الحقيقة التاريخية الكاسحة، سواء راق لنا ذلك أم لم يرق، فلا تخدعي نفسك، ولا تتصوري بأن تمزيق الحجاب سينهي المسألة أو يحل المشكلة! وربما كان عليك، كامرأة، أن تشيدي بالحجاب وأن تتشبثي به، لأنه قد يسهم في التخفيف من غلواء الرجال، وإجبارهم على تعديل نظرتهم الأزلية الزائغة نحوك، عندما تقولين لهم بحجابك العاصم أنك مخلوقة ذات شخصية كريمة مستقلة، وأنك لن تسمحي بأن تجعلي من جسدك موضوعاً لتصوراتهم البذيئة بكشف مفاتنه لهم وجعله سلعة رخيصة معروضة لنظراتهم الدبقة، دعيهم يفكروا بك كما يشاؤوا، فهذه ليست مشكلتك قطعاً، ولا ينبغي أن تكون، بل إنها مشكلة أصحاب القلوب المريضة، ولكن عليك أن تفكري بنفسك وترينها وتظهرين بها ككيان أرفع وأسمى من ابتذاله بكشفه لكل من هب ودب!

المرأة إنسانة مستقلة وكيان متفرد كما تقولين، هذا صحيح تماماً سيدتي، ولكن لم?Z لا تفكرين بذلك الكيان المستقل المتفرد على أنه جوهرة نفيسة غالية ينبغي أن تظل متوجة بالطهر والعفة والاستعصاء على من لا يستحق شرف النظر إليها، فتحرص كل الحرص على حفظ نفسها من النظرات الآثمة المتطفلة التي قد تخدش طهرها!؟ ولماذا لا تقرين بأنه من حق، لا بل من واجب، الأسرة التي تحتضن تلك الجوهرة، من أب وأم وأخ وأخت وعم وخال، أن تخاف عليها، وأن تجتهد في صونها مما قد يشوه براءتها وبراءة مجتمعها كله!؟

هذا المنطق الطاهر الفاضل ليس منطقي وحدي عزيزتي؛ ما أظنه يعني براءتي مما نسبته إليّ ظلماً من تهمة الدفاع عما يسمونها الثقافة الذكورية، بل إنه منطق ملايين النساء اللواتي تفضلت أنت ووصفتهن بأنهن "ضحايا" و "مظلومات" و "عبدات"، هؤلاء اللواتي اخترن هن أنفسهن التحجب عن منتهى القناعة والوعي والرضى، وكثيرات منهن ولا شك أعقل وأذكى وأرفع ثقافة وعلماً منك، ولم?Z لا اقول مني، بعشرات المرات!

صدقت صديقتي ولم تجانبي الصواب على الإطلاق فيما ذهبت إليه من القول بأن المجتمع الآثم الذي يتحكم به الرجال هو الذي أسهم إلى حد بعيد في تلقين المرأة قواعد دورها كموضوع لإرضاء الرجل، ولكن اصدقيني القول بربك، هل تستوي تلك المرأة التي تتحجب بالانطلاق من قناعة ذاتية مطمئنة بأنها إنسانة محترمة ومستقلة تأنف أن تجعل من جسدها مجالاً للاستعراض والتثمين الرخيص، وأخرى تتحجب جبناً او مراءاة لمجرد إرضاء الرجال واستجداء وصفهم لها بأنها امرأة فاضلة، وثالثة لا تتردد في أن تخلع عنها ثياب الحشمة بدعوى أنها مضطرة لفعل ذلك لنيل إعجاب الرجال وسبي قلوبهم!؟ هل يستوين حقاً برأيك!؟ وأيهن ترينها جديرة فعلاً بالاحترام والتوقير أيتها العزيزة!؟

تشتكين من أنك تذهبين إلى السوق، أحياناً، بملابس محتشمة لشراء شيء ما، فلا يكاد الباعة يلتفتون إليك، وأنك تحضرين دروسك في الجامعة بمثل تلك الملابس فيكاد الأساتذة يحجمون عن تمكينك من النجاح! وعندما "تزبطين نفسك" أو تتبرجين بعبارة أخرى ولا تكترثين كثيراً بمسائل الحشمة؛ تسير أمورك على خير ما يرام! ألا ترين عزيزتي بأنك أنت ـ وربما كان ذلك دون وعي ـ التي تبحث عن معاملة "خاصة" لا تستحقينها، بل إنك لا تجدين ضيراً في استعمال جسدك أو استغلاله بالأحرى كي تنالي تلك المعاملة الخاصة!؟ فلماذا تفترضين أن على البائع أن يلتفت إليك أكثر مما يفعل مع الذكور الذين قد يقصدون متجره للشراء!؟ ولماذا تتوقعين من أستاذك أن يمنحك معاملة تفضيلية تميزك عن أقرانك الذكور، الذين لا يقوم بتنجيحهم أو ترسيبهم حتماً بالاستناد إلى تقييم هيئاتهم وأزيائهم!؟ ألا تقولين للناس بسلوكك الأخرق الاستجدائي ذاك أنك لست أكثر من جسد يطالب الناس بمعاينته والتعامل معه حسب إمكاناته المشهرة!؟

مجتمعنا العربي ذكوري ومريض وظالم ولئيم ومتسلط ...الخ، صدقيني أنني أتفق معك، وأنني أستطيع أن أفكر بعشرات وربما مئات النعوت التي تصف نذالته وتناقضه، ولكن لم?Z تساعديه بسلبيتك وجبنك وذرائعيتك وانقيادك لغواياته على أن يكون ويظل كذلك!؟ ولم لا تجدين ضيراً في أن تتحولي أنت نفسك إلى ظالمة متجنية، فتجعلي من الإسلام شريكاً في جرائم المجتمع ضدك!؟ المجتمع هو الذي جعل من المرأة "فتنة" دون الرجل، نعم هذا صحيح، وأتفق معك عليه، لكن الإسلام هو الذي أمر كليهما بالحياء والتعفف وغض البصر ولجم النفس عن اتباع شهواتها والتملي في محاسن الآخر! والمجتمع هو الذي يغري الرجل الباحث عن زوجة بالسؤال عن جمال الفتاة قبل أي شيء آخر، أصبت القول سيدتي، غير أن الإسلام هو الذي يأمر الرجل بأن يجعل من تدين الفتاة المعيار الأهم، وربما الأوحد، لتفضيل فتاة على أخرى! والمجتمع هو الذي يحصر مفهوم الشرف ضمن حدود جسد المرأة ويجعل منها المجرم الوحيد الذي يستحق القصاص إذا ما تعرض ذلك الشرف المقزم للأذى والامتهان، لا يمكنني أن أعارضك حول صحة ذلك بكل تأكيد، إلا أن الإسلام هو الذي جاء ليقول لنا بأن الشرف مفهوم كلي لا يتجزأ ولا يقف حتماً عند حدود المرأة وأبعاد جسدها، وأن خدشه عن سبق إصرار وترصد يستوجب عقاب كل الخطاة بحقه، ذكورهم قبل إناثهم! فلماذا تظلمين الإسلام وقد جاء لإنصافك من جور المجتمع يا رعاك الله!؟

ثم قولي لي سيدي المتأففة! أين الله ودينه وتعاليمه في كل مرافعتك الغاضبة!؟ أليس هو جل في علاه المسؤول عن فرض الحجاب!؟ إذا كنت لا تؤمنين بذلك فتلك قضية أخرى، أما إن كنت تؤمنين برب السماوات والأرض وبأوامره ونواهيه، فعليك أن تعرفي بأنه هو الذي منحك شرف ارتداء الحجاب، ليحميك من تلك الثقافة الذكورية المستبدة التي تتربص بك لتسليعك وإهدار كرامتك.

لا أكتمك القول بأنني أرثي لحالك صديقتي المسكينة، فقد نجح مجتمعنا الماكر حقاً بقيمه الذكورية الجائرة والشائهة في خداعك وتشويه براءتك وتوريطك في الانصياع لإملاءاته الخبيثة التي تجتهد في جعلك مجرد لعبة بيد نزواته وشهواته، لكنك بدلاً من أن تثوري عليه برفضك لتلك القيم والإصرار على الدفاع عن نفسك بحجاب عفيف يقيك نظراته ولمساته الوضيعة، أراك تفضلين الخضوع له باستسلام غريب مريب، وكأنك تستعذبين استغلالك أو تتآمرين ضد ذاتك! فمتى تفيقين من غفلتك عزيزتي المتأففة!؟

د. خالد سليمان

sulimankhy@gmail.com

النص الحرفي لتعقيب عزيزتنا المتأففة:

"ما حدا بهدل المرة غيركوا انتو تبعون الحجاب، انتوا اللي اختزلتوا المرأة بالجسد من لما اعتبرتوها فتنة، ليش الرجل مش فتنه؟ طيب ليش دائما الخطاب بكون يمثل المرأة على اساس انها موضوع بينما الرجل دائما ذات، انا بشوف انوا الأسلاميين زيهم زي اصحاب خطاب التعري بل ويمكن اسوأ لأنوا الجهتين بكرسوا فكرة انها جسد وفتنه بس واحد بده ايعريها والثاني بدوا ايغطيها، بعدين كيف بتحكي انوا الأسلام كرمها كإنسان وانته بترجع وبتناقض نفسك لما تقول الحق على ابوها وأخوها يا أخي وين كرامتها كإنسان اذا هيه بخطابكوا شرفها مطلوب من اخوها وابوها هوه بلبس وهوه بشلح وهوه بذبحها حتى لمجرد شك، انته ذكوري حتى العظم ومتشرب خطاب الثقافة التقليدية دون نقد او امعان النظر او اخضاعه للمسائلة، يعني انته مش اكثر من ببغاء بتردد الحكي اللي سمعته ودرسته وتدجنت عليه منذالصغر، انا وانا بذلك لا الومك هي تلك حال الثقافة لديها من القوة ما يجعل منا ليس اكثر من ببغاوات لا نتحدث الا بمنطق الينبغي، مع العلم اني مش حداثية ولا من مؤيدي الحداثة الأعمى انا فقط اعمل فكري، ومن موقع المرأة التي لن تمكنك ذكورتك المتأججة يوما من ان تحس بمشاعر امرأة، يعني بالعربي يا اخي بطلوا احكو بإسمنا خلينا مرة نحكي، الظالم عمروا ما بقدر يحكي عن المظلوم ولا الجلاد عن الضحية ولا الأبيض عن العبد، انتوا استعبدتونا اكتير حلوا عنا اشوي، ولا خايفيين تفقدوا امتيازات السلطة، والله يا عمي السلطة غالية، ارقاب بتطير على شانها.

بعدين يا اخي ايش قصة هي الزوجة والأخت والأم يعني ما بسير تتكلم عنها الا من خلال نسبتها لذكر، ليش ما بنسمع مثل هالخطاب عن الرجل بالمقابل الا بالمسبة زي ما تحكيله يا اخو كذا او يا ابن كذا....، وكمان ليش بتحكي مع المرأة وكأنها جزيرة معزولة ، ما هيه جزء من هالمجتمع، والمجتمع الذكوري اللي انته بتمثله خير تمثيل هوه اللي علمها كيف تتقن فنون الدور، مش انتوا بتحكوا نها فتنه، هيه بدورها بدها تتفنن بفتنتكو، يعني انتوا لبستوها هالدور حتى صار كل همها انها ترضيكوا، سواءا بتغطية الجسد كاملا حتى تقول هيني محترمه وحجبت عنكوا الفتنه، او هيني متعرية واتمتعوا، لا تلوم المرأة على عمليات التدجين والتبطين اللي بتتعرض الها المرأة، بالله عليك شو اول سؤال بسأله الزلمة عن العروس، حلو ؟؟؟ واذا كانت مش حلوة لا حجاب ولا كرامة ولا من هالحكي الفاضي بنفعها ولو بتكون عالمة ذرة، وبتقول المجتمع احترمها، ما هيه يا حزينه ما خليتولها اي سلطة ممكن تتمتع فيها الا من خلال جمالها او جسدها وحسب مقاييسكوا انتو، انا بقول المجتمع حرمها وما احترمها، انا بجرب حالي مرات بروح على السوق بملابس محتشمه بدي اشتري، ما حدى بعبرني، والدكاتره بالجامعة ما حدى بدو اينجحني، ولما بزبط حالي بتسير كل اموري سالكة، وبتقول الحق علينا؟؟؟ يعني لما بدكوا اتلبسوا المرأة وتفرضوا عليها الحدود والقيود بتكون الامور من حقكوا، وكأنها قاصر او عبد او دون السن القانوني،اما لما بعمل فيها رجل اشي او بغرر فيها بمجتمع تفتقد فيه اصلا الرعاية والحنان ومعذورة لما تشوف رجل بهتم فيها واتحبه، بسير الحق عليها ولازم تتعاقب هيه شخصيا وتفصل عن كل السياقات المجتمعية الذكورية اللي عملت منهها ضحية، وبسير الرجل يا حرام ما هيه فتنته هالشيطانه اما هوه البريء ما عمل ولا اشي، بعدين هوه بس معرض للفتنه بس ما بفتن، لانو المرأة عباره عن اشوال لا بتحب ولا بتكره ولا بتنفتن ولا عندها مشاعرـ هيه فقط قنبله موقوته اذا نفجرت، يا حرام شو ضحايا من الرجال رح ايموتوا،

يعني من كتر ذكوريتك مش قادر تحكي انو كل طرقنا في التربية لازم تتغير وذهنياتنا هية اللي لازم انشيل عنها العفن واذا ما صار هيك، مية حجاب ما بمنع رزالتكوا عنا ما دمنا دائما بنشكل الكوا مصدر فتنه، روح عالسعودية يا اخي وشوف، المر’ مدموله من راسها لحد اجريها ولا امبين منها اشي وبتتعاكس وتشتهى ويتحرش بها، بينما بأروبا انا شفتهم بمشوا على الشط عرايا ولا حدى بسأل فيهم، حتى التطليعه عندهم عيب، المعنى يا ابني انه ثقافتك الذكورية الابوية هيه اللازم تنحط موضع مسائلة مش جسد المرأة وبنصحك ترجع تقرأ كتب انكتبت عن الجسد لكتاب كبار حتى تعرف انو الجسد مش كيان بيولوجي زي ما بتعتقد، بل كيان صنعته الثقافة، ويتم تمثله من خلال عيون الثقافة وليس من خلال عيون بيولوجية/ الله يهديك".

تعقيب آخر للعزيزة المتأففة:

"انا لساتني بستنى الرد على ما كتب اعلاه، بدي اسمع شو رأيك، ولا احنا اتعلمنا بس نقدم وصفات وعظية او خطب والسلام".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد