مقاومة عالمية ضد الظلم العالمي

mainThumb

12-06-2025 12:50 PM

لقد رأت هذه الأرض طغاة كثرا… مرت من هنا عصورٌ كان الظلم يُمارس فيها بالحجارة والسلاسل والنار. قصور الفراعنة وعروش النمرود بُنيت على جماجم الضحايا. لكن لم يكن الظلم بهذا التنظيم، وبهذه الوقاحة، وبهذا العلن من قبل.
غرق فرعون، واحتراق النمرود في النار ـ مقارنةً بما يحدث اليوم، يبدوان كأنهما تحقيقٌ للعدالة. لأن ظلمهما كانت له نهاية؛ كان هناك تدخل إلهي، مقاومة، وحساب. أما ظلم اليوم، فهو يُكافأ!
يُخمد صراخ المظلوم، وتُستقبل قنابل الظالم بالتصفيق. لم تعد الجريمة تُرتكب بالحجارة، بل في قاعات المؤتمرات؛ ولم يعد الاحتلال يتم بالدبابات، بل بالبيانات الدبلوماسية. والعالم يسجد صامتاً أمام فراعنة العصر الحديث.

الإبادة الجماعية في غزة ليست سوى البداية. هذه الجرائم التي ترتكبها الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل منهجي لا تقضي على شعب فحسب، بل تدمر أيضاً القانون الدولي وحقوق الإنسان والأخلاق العالمية. تدمير إسرائيل لغزة يرمز إلى انهيار النظام الدولي، الذي بناه الغرب. هذا الهيكل الذي تشكل ذات يوم بمثل «حقوق الإنسان» و»الديمقراطية» و»سيادة القانون»، ينهار الآن تحت وطأة الحروب الإمبريالية والصمت المطبق. الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون لا يكتفون بتوفير الأسلحة فحسب، بل يقمعون أيضاً النداءات الإنسانية بشكل منهجي. الهجمات على اليمن، والحصار على سفن الإغاثة، والعنف ضد المهاجرين ـ كلها علامات على نظام فصل عنصري يتوسع عالمياً. كما لخص الكاتب الأمريكي الشهير كريس هيدجز هذه الحقيقة بوضوح: «رسالة الشمال العالمي إلى بقية العالم هي: «نحن نملك كل شيء، وإذا حاولت انتزاعه منا، سنقتلك».
والآن، تقف الإنسانية في مواجهة هذا النظام، من سفينة «مادلين» إلى قافلة الصمود المغاربية، يعلو هذا الضمير العالمي ليقدم صوتاً جديداً للعالم. هذا الصوت ليس مجرد تمرد؛ بل هو دعوة للصحوة، ولولادة جديدة، لأن البشرية تدرك أنه إذا صمتنا أمام هذا الظلم، فسنكون نحن الضحية التالية.
خطاب المدرب الإسباني بيب غوارديولا في إحدى الجامعات البريطانية كان علامة على هذا الوعي: «كل صباح أرى في وجوه أطفالي وجوه أطفال غزة. لا يمكننا أن نقول إن هذا لا يعنينا. سنكون نحن الضحية التالية». بعد سفينة «مادلين»، انطلقت قافلة الصمود المغاربية: مسلمون من الجزائر وتونس وليبيا والمغرب وموريتانيا وتشاد يتجهون براً نحو معبر رفح. وتتلقى القافلة دعماً من تركيا ودول البلقان وتركستان دول أوروبية أخرى. يوم الخميس، سيكون آلاف الأشخاص من 41 دولة عند رفح. هذا ليس مجرد دعم، بل هو بيان ضمير في مواجهة النظام العالمي.
أحدثت «مادلين» ضجة عالمية حول قضية غزة. ومع قافلة الصمود المغاربية، تتحول هذه الحركة إلى سلسلة مقاومة. كل قافلة جديدة ليست مجرد أمل لفلسطين، بل نموذج مقاومة سيرسم مساراً جديداً للإنسانية. لأول مرة، يواجه الناس النظام العالمي البربري الذي بناه الغرب بهذا الوضوح. الضمير يواجه الدبابات، والأخلاق تواجه الأسلحة، والصلاة تواجه القنابل في مسيرة عظيمة.
قد يكون هذا نهاية عصر، وبداية عصر جديد. هذه المسيرة تقدم رسالة للإنسانية: «الظلم غير مستدام. المنسيون سيعودون. صمت المظلومين سيصبح طوفاناً يوماً ما. والتاريخ مليء بأمثلة على ذلك». وهذا الطوفان يسير الآن نحو رفح..

كاتب تركي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد