جدلية العباءة والشهادة

mainThumb

03-10-2009 12:00 AM

موسى إبراهيم أبو رياش

بداية أؤكد احترامي للعباءة ولمن يرتديها زياً أصيلاً، لا مظهراً خادعاً، واعتزازي بالعشائرية باعتبارها محضناً أساسياً للفرد، ومظلته عند الكرب، ومكوناً أساسياً من مكونات الدولة الأردنية.

كانت العباءة كمظهر اجتماعي رمزاً للحكمة والوقار والقيادة الاجتماعية والمكانة الرفيعة، تلازم إصلاح ذات البين، والتوفيق بين الناس، وحل المشكلات العالقة، وجاهات الزواج وإحقاق الحق، والكشف عن الخارجين عن الأعراف، والفصل في القضايا، والحكم على المجرمين، ومع مرور الأيام انحرفت العباءة عن وظيفتها الأساسية، وأخذت أدواراً أخرى تثير الشبهات، والتجاوز على حقوق الآخرين، والتوسط للمجرمين والفاسدين، ومع أن هذا الدور ما زال محدوداً بفئة معينة، إلا إنها فئة ظاهرة نافذة تتمتع بالسلطة والقدرة على تحقيق مطالبها عند من لا يستطيعون أن لا يردوا للعباءة طلباً خوفاً وطمعاً وتعصباً.

أن تتوسط العباءة لإرجاع الحقوق إلى أصحابها فهذا أمر حسن محمود عند الجميع، أما أن تتدخل لسلب حقوق الآخرين وهضمهما فهذا دور منافٍ للمروءة ومناف للرجولة تحت أي ذريعة كانت وأي مبرر يساق.

أن تتوسط العباءة لإنصاف مظلوم وكفالة متهم بريء فهذه وساطة لا غبار عليها ولا يعترض عليها أحد، ولكن إن تدخلت العباءة لنصرة الظالم، وكفالة مجرم والغ في جريمته، فهذا عمل مخالف للخلق والدين والمبادئ الإنسانية والأعراف المتبعة.

أن تتوسط العباءة لتقديم الكفاءات والقدرات والمخلصين من أبناء هذا الوطن لتبؤ المناصب فهذا يسجل لها وتشكر عليه، ولكن أن تقدم من له ظهر رغم عواره، وتؤخر مقصوص الجناح مع كل شهاداته وخبراته وقدراته فهذا هو الفساد بعينه والضلال الذي لا يرضاه ذو لب، ولا يقبله إلا من كان على عقله وقلبه وبصره غشاوة بل جدار من حديد.

عندما يتراجع أصحاب الشهادات والقدرات ويتوارون في الظل لصالح العباءات ومن تقدمهم وترشحهم وتدعمهم ندرك أن الأمر بلغ حداً لا يطاق من الفساد، وهذا ينذر بمصير حالك لهذا المجتمع، ومستقبل لا يعلم سواده إلا الله، فالأصل أن يُوسد الأمر إلى أهله من ذوي القدرة والكفاءة والمعرفة بغض النظر عمن خلفهم ومن وراءهم، والأصل كذلك أن يبتعد ويُقصى الضعفاء والمترهلون والفاسدون والسطحيون والفاشلون كائناً من كان يدعمهم ويلمعهم.

وبصراحة لقد تخلت العباءة في الآونة الأخيرة عن دورها الأصيل والمطلوب دوماً، لصالح أدوار خبيثة تخرجها عن أصالتها بهدف تدمير هذا الرمز الوطني الذي كان شعاراً للرجولة والمروءة والحكمة والعدل والحق وكل معاني الخير التي لا يختلف عليها أحد، وللأسف تورطت العباءة في أدوار مشبوهة لا تخدم إلا الأهواء والأشخاص ومع ما يرافق ذلك من ظلم وتطاول وتجاوز وإقصاء وحرمان وتدمير.

إن المجتمعات الحديثة هي التي تتبوأ فيها الشهادة المكانة العليا والمنزلة الرفيعة بما تمثله من خبرة ومعرفة وعلم، وهي التي تختفي فيها أو تقل إلى حد بعيد دور العباءة بما تمثله من تجاوز وتطاول وأكل حقوق الناس.

أن تتوارى العباءة لصالح الشهادة فهذه بشرى خير، تعد بمستقبل مشرق باسم، وإن حدث العكس –لا قدر الله- فهي الكارثة وهي قاصمة الظهر ومنذرة بظلام قد يطول وليل لا نهاية له في المدى المنظور.

ولا أعني بالعباءة هنا كل من يلبس عباءة، ولكن أعني تحديداً كل من يمارس ضغطاً مهما كان بسيطاً لتحقيق مكاسب ليست من حقه، ولهضم حقوق الآخرين دون وجه حق، وللتجاوز على عباد الله تحت أي ذريعة كانت، سواء كان هذا الشخص يلبس عباءة أو بذلة فاخرة أو حتى يلبس جينزاًً أو قميصاً مفتوح الصدر.

وهنا أوجه دعوة ورجاءً لكل من أعطاه الله حظوة أو جاهاً أو سلطة أن يتقي الله فيما وهبه الله، وأن يكون مفتاح خير ومغلاق شر، وأن يكون بشرى خير ورنة فرح، ليحظى بالقبول وليكون له من كل دعاء نصيباً وفي كل قلب محبة وإلى كل خير سبيلا، وحذار حذار أن يكون سبباً في كسر جناح، أو إيقاع ظلم، أو بخس حق، أو دمعة يتيم، أو دعاء أرملة، أو بكاء أم، فيلعن في الدنيا قبل الآخرة ولن يكسب إلا دعاء عليه في ظلمة الليل، وشكوى إلى الله من كل مظلوم، وضراعة إلى الله أن يقتص منه ويقصف عمره ويشتت شمله ويشمت به الأعداء، ويحيل يومه سواداً وليله سهاداً من كل مظلوم وضعيف ومسكين ويتيم وأرملة وأم.

mosa2x@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد