إنسانية الإنسان

mainThumb

29-06-2009 12:00 AM

د.محمد فلاح القضاة
بماذا ابدأ وماذا أقول لأطفال فلسطين،ولبنان، والعراق، والصومال ؟ ماذا أقول "لأمل" الحالمة بزي المدرسة و بلعبة تلهو بها، ليست " باربي " وإنما بلعبة حتى ولو كانت مصنوعة من بقايا ثياب أمها الممزقة ؟ ماذا أقول لها ولغيرها من أطفال غزة وبغداد ،ورام الله وقانا ؟ماذا أقول لهم؟

سامحوني إن استطعمتم فانا إنسان عاجز ، مختلط عجزه بجبنه ،ولا تسامحوا كل من ينظر إليكم متفرجا ولا يحرك ساكنا. لا تسامحوا فالحق معكم.

ماذا أقول لتلك الكوكبة النقية من الشهداء؟ ماذا أقول لمن عطر أرضه بأغلى أنواع العطور الممزوجة بطعم ورائحة الدم؟

تمر الصور أمام عيني ، وأرى دبابات تدوس أجساد أحبتنا ،أرى بنادق محشوة برصاص الغدر يطلق على الأطفال والشيوخ ،أرى طائرات حربية تقصف بقايا بيوت ،أرى بساطير تدوس وتنهش البراءة ،تمزق ضحكات الأطفال و تحرق أرضهم ،أرى أطنانا من الفولاذ تتقدم إلى تلك الطفلة الخائفة المتمسكة بثوب أمها ،أرى بيوتا ، أشباه بيوت ،و أجساما أنهكها الجوع ومزقها الرصاص .أرى أسلاكا شائكة تطوق أرضهم ، وتحتجز أحبتهم ،و مصفحات تصادر ما تبقى لهم منها ،أرى أطفالا متسخين يئنون من قلة المياه، و أرى المغتصبين يسبحون في مياه المحرومين .

 

أسمع صرخات أم حرمتها رصاصات الغدر من رضيعها ،تصرخ وا إسلامه وا عرباه وا إنساناه ،و أرى أب يحتضن طفله الذي لم يتجاوز بضع شهور ودمه الزكي يسفح على ثرى فلسطين .

الهي! أهذا الطفل أشجع مني ؟وا أسفي على رجولتي ، و إنسانيتي ،و قلة حيلتي.

سامحوني إن استطعتم، فانا مشغول ، مشغول بفلم يسيل له لعابي ،سامحوني فانا مشغول بتشييد برج عال لكي أكسب ملايين الدولارات ،سامحوني أنا مشغول بمتابعة الانتخابات ،سامحوني فانا مغرم بنانسي ،سامحوني فانا مشغول بعد الثروات،سامحوني فانا مشغول بإقامة الولائم لأدخل كتاب غينيس ،سامحوني فانا لست إنسانا .

يا أطفال البراءة والصمود في فلسطين والعراق والصومال ،سامحوني فانا مشغول بصفقة تجارية ،سامحوني فانا خائف من الكلام ،خائف أن اصفع ،خائف أن أرمى وراء القضبان .

وأنتم لماذا لا تخافون مثلي ؟ لماذا أنت يا طفل جنين لست جبانا مثلي ؟ لماذا أنت لا تهتم بجمع العلب الفارغة من النفايات وتعيش عيشة كالتي أعيشها بذل وهوان ، صحيح معي بضع دراهم وبضع دولارات ،صحيح أنا أكل طعاما شهيا وصحيا ، ولكن ما الفرق بيني وبينك ،أنت تعيش في عجز مالي ،أنت محاصر بأطنان الفولاذ ،أنت سماؤك ملبدة بالكوبرا وال ف16 ،وبحرك تعشش فيه جان البحر ،صحيح انك لا تستطيع أن تجلس على مقعد دراسي ،صحيح انك حين تسير إلى روضتك أو مدرستك تحيط بك الدبابات ،تحفك ليس كحرس شرف وإنما كصائد للأرواح ،وأنا هنا أقود سيارة فارهة واسكن ببيتا فاخرا ، واذهب إلى جامعتي ومدرستي ، واجلس على مقاعد مريحة ومكيفة ، واحتسي الكولا الباردة ، واكل الهامبرغر الكثير ،حتى أنني أنام لساعات لا سهر الليالي الحمراء ،صحيح ليس عندي مثلك عجز مالي ، ولست محاصرا إلا بالغواني الحسان وبأفلام التعري وبطولات العم سام ،صحيح أنا أرتدي الحرير وأنت ماذا ترتدي ؟ صحيح أنا أسافر متى أردت وأنت توفير لمالك نمنعك من السفر، وحتى من الذهاب إلى جيرانك ، أنا لست محروما من السفر، وأن سافرت أنت فلا تركب الطائرة ولا قطار ولا حتى حمارا ، ،أنت مطلوب منك السفر في سيارة الإسعاف فقط .

أيها الأطفال في فلسطين والعراق والصومال، لون دمائكم كلون النبيذ الذي اشربه ،تصوروا التقينا في هذا ،واختلفنا فيما تبقى .

أسمحوا لي أن أقول لكم وبصدق وبأمانة ، حياتي ليست بأفضل من حياتكم ،حياتكم اشرف من حياتي ، ومماتكم أنبل من مماتي ،ومكانكم في الآخرة أعلى من مكاني ، وأنا لا اعرف إن كان سيكون لي بينكم مكان . سآتيكم بالجواب لن يكون لي مكان ،أتعرفون لماذا لأنني إنسان جبان وأخاف من فقد الدراهم ، وأخاف من منعي من التمتع بالأسفار ،وأخاف أن أوضع على قائمة الإرهاب ،وأخاف أن افقد سهرات الليالي ،وأخاف أن لا أستطيع متابعة أفلام التعري، وبطولات العم سام .

أتعرفون أيها الأطفال ،تعجبني لهجاتكم ،وأنا اقسم لكم أخاف أن أتكلم العربية الفصحى ،لان التكلم بالأجنبية صار معيار التقدم والازدهار ،أتعرفون لماذا تعانون وأنا لا أعاني مثلكم ؟ لأنني تعلمت النفاق تعلمت الانحناء مع أول هبة ريح، لم اعد استطع مقاومة الريح فالنسمات تقتلني ،لأنني ببساطة إنسان لا يعرف إنسانية الإنسان .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد