ضمير مستتر تقديره مواطن

mainThumb

29-06-2009 12:00 AM

وليد معابرة
لم أقصد الوصف ولكنني أردت التنويه عما يجول في خاطري ؛ لأني أراني أعيش بليل اسود أمست السماء فيه تمطر في فصل الصيف ؛ بعد أن أصبح تحتها الكلام يمنع من الصرف ؛ وغدا شيخنا الكبير يعبد الله على حرف ؛ فبكيت متألما ومستجدياً عطفا ولكني وجدت أن أول من أبى هي (واو) العطف ؛ وارتد صوتي جريحا منفعلا بعدما علا غبار الخوف على أسياف ضمائر قد وضعت على الرف ، وبات الصوت ينادي وكأنه يخاطب أصحاب الكهف.

ففي يوم من الأيام ؛ وبينما كنت على مقعدي في غرفة الصف ، أتى أستاذ اللغة العربية مستهماً كعادته يشرح درساً في القواعد ، فأخذ يُسكت التلاميذ وكأنه يريد أن يأتي بدرس جديد في عالم الأحاجي والألغاز ، فكتب لنا جملة للإعراب ؛ تتحدث عن رجل اشتعل جيبه بالإفلاس وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، فأخذتُ أقرأ وإذا به قد كتب : (سيجوع ويعرى ويحلم برغيف الخبز وبالكِسرة) ، تسارعت مع التلاميذ للإجابة عن ذلك السؤال ؛ فالكل منا كان رافعاً يده ليكون سباقاً في الإجابة ؛ حتى اختارني من بينهم ، فقلت : “إنها جملة تكوّّّن معظمها من جار ومجرور ؛ بعد أفعال مضارعة مريرة ومليئة بأحكام تعسفية سبقها تسويف قريب” ، فهز رأسه معلنا القبول مندهشاً دهشة الفاقد لما سمع ؛ فشكرني وأثنى علي وطلب مني إكمال الجملة بإيجاد الفاعل الذي استتر فيها ، أخذت أفكر محاولاً الإجابة قبل أن يحظى بها أحد من زملائي التلاميذ ، وقبل أن ينتهي وقت الدرس ، ولكن دون جدوى. وهكذا حتى انتهى ذلك اليوم الدراسي دون أن نعرف من هو الفاعل المستتر.

ذهب كل منا إلى بيته بعد أن انتهى ذلك اليوم الدراسي ، فأخذت أسير في طريقي وأنا منهمك في التفكير ؛ فأخذ اليأس يغمرني ويعبث بكياني ويتراقص أمامي كالشيطان ، فما زلت أتذكر عيون التلاميذ التي كانت تستجديني الأمل من خلال كلماتي وحروفي في الإجابة ، حتى وصلت بيتي دون أن اعثر على جواب ، وظللت مهموما طوال الليل سائلا هذا وذاك عن الذي سيجوع ويعرى وعن الذي سيحلم بالرغيف وبالكِسرة دون أن أجد جواباً.

استيقظت من نومي في صباح اليوم التالي مستاءً ويائساً ؛ لعدم مقدرتي على إيجاد ذلك الفاعل المستتر ، فأخذت أرتدي ملابسي للذهاب إلى المدرسة ، حملت كتبي ومشيت في طريقي وإذا بمنظر أدهشني ؛ فقد كان الأستاذ يقف مع حشد من الفلاحين أمام دكان صغير يقرأ إعلانا جميل الحروف يحيي ارتفاع الخبز رغم الأنوف ؛ فكان بائساً حزيناً ينادي على أطفاله ليلقنهم درساً بضيق الظروف ، ويقول لهم : (إننا لسنا اليوم بحال الضيوف ، بعد أن أضفى نائبنا على الموت سكرا وأيد رفع الخبز باسم الألوف).

عندها توسعت مداركي في تلك اللحظات ؛ وعرفت الفاعل المستتر بتلك الجملة ؛ فكان فاعلا فُُعلت به الأفاعيل وغنى الشقاء به المواويل ، واستؤصلت منه المشاعر بعد أن أشعلوا من تحته المشاعل ، حتى أمسى فاعلا في أجمل وأغلى الم?Zواطن (ضميرا مستترا تقديره مواطن!!!!).

* جامعة آل البيت.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد