جمال عبدالناصر .. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر؟!
ما أصعب الكلمات وما أقساها على النفس عند الحديث أو الكتابة عن رمزاً عظيماً بقيمة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، الذي رحل عن عالمنا في الثامن والعشرون من سبتمبر الحزين عام 1970، عن عمر يناهز ثلاثة وخمسون عاماً وثلاثة أشهر وبضعة أيام، تسعة وثلاثون عاماً مرت على رحيل ذلك القائد والزعيم الأسطورة وكأنها كانت بالأمس القريب، وذلك لأن جمال عبدالناصر رحل ولم يرحل، سافر ولم يسافر، فلا زالت الأمة العربية في أمس الحاجة إليه، لقد رحل جمال الإنسان وهذه إرادة الخالق عز وجل، ولكن الناصرية والقيم العظيمة التي حملها عبدالناصر ونادى بها لم ولن تموت، إليس من المفارقات أن نتذكر من رحل عن عالمنا قبل تسعة وثمانون عاماً في الوقت ننسى الكثير من الحكام الأحياء في أكفان النسيان، وأستطيع أن أقول بأمانة لا يوجد قائد أو زعيم يذكر خارج حدود وطنه إلا الناصر جمال، لأنه كان صاحب مشروع توحيد الأمة العربية بأسرها والدخول إلى القرن العشرين والواحد والعشرين بالدولة العصرية الحديثة.
لقد كافح وناضل لأجل وحدة أمته، حيث كان الوطن العربي كله يرزخ تحت الاحتلال والوصايا الأجنبية، ومصر اكبر بلد عربي كان يوجد بها أكثر من ثمانين ألف جندي بريطاني، وكان السفير البريطاني هو المندوب السامي، وكلنا يذكر حادثة الرابع من فبراير (شباط) عام 1942 عندما فرض السفير البريطاني مصطفى النحاس رئيساً للوزراء رغم أنف الملك فاروق، الذي تم حصار قصره بالدبابات البريطانية حتى خضع لقرار المندوب السامي وعين النحاس رئيساً للوزراء، ولم تكن باقي الدول العربية بعيدة عن مصر، حيث كان المندوب البريطاني أو الفرنسي هو صاحب القرار الأول والأخير منذ تقسيم الوطن العربي لمناطق نفوذ بين بريطانيا وفرنسا على أثر اتفاقية سايكس بيكو المشئومة، وقبلها وعد بلفور المشئوم الذي أعطى فلسطين العربية وطناً للصهاينة، حيث جيء بقطعان الصهاينة من كل مزابل العالم ليشكلوا كياناً مصطنعاً اسمه إسرائيل، تدعمه كل قوى الشر في العالم، الذي رأت به مصلحة إمبريالية للسيطرة على ثروات الأمة والمنطقة برمتها، ونتيجة لقيام ذلك السرطان الصهيوني المسمى بإسرائيل قامت الثورات والاغتيالات في العالم العربي والإسلامي لشخصيات قيل أنها متورطة في المشروع الصهيوني.
وكانت ثورة 23 يوليو المجيدة التي أسسها وقادها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر إحدى أهم تلك الأحداث كرد على نكبة العرب الكبرى في فلسطين، وقيام الكيان الصهيوني، الذي كان الزعيم جمال عبدالناصر يقول عنه " إنه مشكلة داخلية، ولو استحت العرب لانتهى شيء اسمه إسرائيل "، وهكذا كانت رسالة ثورة 23 يوليو التي حمل لوائها الزعيم جمال عبدالناصر، والذي رأى مصلحة مصر الوطنية في الدوائر الثلاثة: العربية والإسلامية والأفريقية، أي الجمع ما بين التاريخ والجغرافيا وأضاف إليهم الدائرة الإسلامية، حيث هوية مصر الممتدة منذ ألف وأربعمائة عام، وأصبحت مصر في عصر الناصر جمال رائدة وقائدة الأمة العربية والمنطقة بأسرها، وأصبح للعرب دوراً ووزناً، رغم ارتماء الكثير من القيادات العربية بأحضان الاستعمار، والتآمر مع الدول الاستعمارية على المشروع النهضوي للأمة الذي رفع لوائه جمال عبدالناصر، الذي كان يراهن على الشعوب العربية وليس الحكام، تلك الشعوب التي آمنت برسالته الوحدوية وتفاعلت معها، وكانت معه في السراء والضراء، في النصر والهزيمة، ولعل المحصلة لتجربة 23 يوليو وحتى رحيل قائدها العظيم جمال عبدالناصر كانت رائعة الإنجازات، عظيمة القيم، إلا يكفي أنها طردت الاستعمار وكنسته من المنطقة ؟ وعندما رحل جمال عبدالناصر لم يبق من الاستعمار إلا الكيان الصهيوني الذي أعد معه معركة الخلاص قبل رحيله، وبعد نكسة حزيران عام 67 حيث أراد تحرير فلسطين بأكملها، وكانت مقدمة ذلك حرب الاستنزاف الخالدة التي قامت وكلفت العدو باعتراف قادته أكثر من كل الحروب العربية مع العدو الصهيوني، وأراد عبدالناصر من معركة الخلاص التي كانت أكتوبر بعد ذلك أن تكون حرب التحرير كاملاً، ولكن للأسف شاءت إرادة الله أن يرحل قبل أن يتحقق الحلم الذي خانه خليفته أنور السادات، الذي أراد من أكتوبر أن تكون حرب تحريك وليس تحرير، وأبرم حلاً منفرداً مع العدو الصهيوني، وخسرت مصر دورها ومكانتها، ومن يتأمل دور مصر اليوم لا يملك إلا أن يترحم على جمال عبد الناصر، الذي كان في عهده للمواطن العربي وللمصري بشكل خاص وزناً وقيمة، حيث كان المواطن المصري بشكل خاص يتعامل كالأمريكي اليوم بعصرنا الحاضر.
وسوف أذكر في هذا السياق التاريخي قصة رواها أحد الأشخاص المعادين لثورة عبد الناصر وهو الصحفي المعروف أحمد منصور المذيع في قناة الجزيرة القطرية، حيث كتب في جريدة الأسبوع المصرية منذ سنوات مضت عن أحد الطلاب المصريين الذي كان يدرس في فرنسا، حيث قامت الحكومة الفرنسية بإمهال الطالب المصري ثلاثة أيام لأنه غير مرغوب فيه كما أوضحت الحكومة الفرنسية ذلك للسفارة المصرية نظراً لنشاطاته السياسية، حيث خاطبت السفارة المصرية بباريس حكومتها بالقاهرة وعلم الرئيس عبدالناصر بالخبر، وفوراً أرسل للحكومة الفرنسية عن طريق السفارة المصرية رسالة مفادها (إذا تم تسفير أي طالب مصري أو مواطن مصري من فرنسا ستصبح كل الجالية الفرنسية في مصر غير مرغوباً بها)، وعندما وصلت الرسالة لباريس، استدعت الحكومة الفرنسية السفير المصري واعتذرت للطالب الذي عرف إن لديه حكومة وطنية تتابع قضاياه حتى في المنفى، انظروا لواقع الأخوة المصريين اليوم في كل أقطار العالم، والواقع برأيي لا يحتاج لتعليق.
هذا هو جمال عبد الناصر ، وتلك مواقف العزة والكرامة التي وقفها يوماً مع أبناء وطنه وأمته ضد التدخلات الخارجية في شؤون العرب الداخلية ، ونود التذكير عندما أراد الدكتاتور العراقي عبدالكريم قاسم حاكم العراق في ذلك الوقت احتلال دولة الكويت، وأرادت بريطانيا التدخل حتى تعود للمنطقة من جديد بعد أن طردها جمال عبدالناصر، وهنا وقف الزعيم الخالد ورفض التدخل الأجنبي، وقال عبارته الشهيرة (نحن نحمي العراق ونحمي الكويت أيضاً)، وأرسل فرقة من الجيش المصري لمنع الطاغية عبدالكريم قاسم من احتلال دولة الكويت، انظروا ماذا جرى بعد ذلك عندما كرر التاريخ نفسه وبشكل هزلي، ولكنه حدث ذلك في غياب عبدالناصر، عندما احتل العراق الكويت وكان ثمن تحريرها احتلال العراق والكويت معاً، واحتلال المنطقة برمتها بالقواعد الأمريكية والغربية والواقع اليوم يشهد على ذلك.
إن أي تقييم موضوعي لتجربة عبدالناصر تأتي في سياق الظروف والمرحلة التي جاء بها، حيث كان كل الوطن العربي وكل الدول النامية تقريباً تحت الاحتلال، وبدأ بمصر وطرد الاحتلال البريطاني، وتم ترحيل ثمانين ألف جندي بريطاني، وأمم قناة السويس وبنى السد العالي، كما أمم البنوك والشركات الأجنبية، وكافح الأمية بمجانية التعليم، وأقام الصناعات الوطنية الضخمة، وعلى الصعيد القومي والأممي: دعم كل حركات التحرر والثورات الوطنية في اليمن والعراق وعموم بلاد الشام ودول المغرب العربي الكبير، يكفي ما قاله الرئيس الجزائري أحمد بن بيلا حرفياً (والله لولا مصر وجمال عبدالناصر ما وصلتنا بندقية)، كما دعم حركات التحرر في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ويكفي شهادة المناضل العظيم جيفارا عندما قال لعبدالناصر وهو يعانقه (لقد كان لانتصاركم في السويس أكبر داعم لنا في ثورتنا الكوبية)، وأقام منظومة دول عدم الانحياز، التي كان لها دوراً في تخفيف حدة التوتر بين المعسكرين المتناحرين في ذلك الوقت أمريكا والاتحاد السوفيتي.
وفي عصر جمال عبدالناصر كانت الثورات الفنية والثقافية والأدبية هي الصفة البارزة لواقع ألأمة، يكفي أن أعظم أعمال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وتوفيق الحكيم ويحيى حقي كانت في عصر عبدالناصر، حتى تلك التي انتقدت بعض التصرفات والتجاوزات في ثورة 23 يوليو، مثل: بنك القلق لتوفيق الحكيم، وثرثرة فوق النيل، وميرمار لنجيب محفوظ، وشيء من الخوف لفكري أباظة، ونشرت تلك الروايات في جريدة الأهرام الرسمية التي يرأسها في ذلك الوقت الجميل العملاق الكبير محمد حسنين هيكل.
وما أحوج الأمة العربية اليوم لجمال عبدالناصر آخر لهذه الظروف الصعبة التي تزداد الناصرية بعد رحيل صاحبها رسوخاً وتجذراً، وللأسف أن يتم ذلك خارج الوطن العربي، وفي بعض دول أمريكا اللاتينية، التي قال بالأمس أحد أهم أقطابها هوغو شافيز رئيس فنزويلا بأنه ينتمي لمدرسة عبدالناصر التحررية، وإنه ناصرياً حتى العظم، والناصرية تعني الكرامة والوحدة والحرية والاشتراكية، والحاجة إليها لا تنتهي طالما بقي الإنسان.
رحم الله الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وما أصدق شاعر العرب المرحوم نزار قباني عندما قال متذكراً عيد ميلاد الزعيم الخالد جمال عبدالناصر بعد عام من رحيله أي في 1971 (تضيق قبور الميتين بمن بها... وأنت كل يوم في القبر تكبر).
السعودية: تجميد 820 ألف أضحية بتقنيات حديثة لحين توزيعها
الجيش الإيراني يبدأ سلسلة مناورات عسكرية مفاجئة
13.9 ألف شيك مرتجع خلال أيار بقيمة 93 مليون دينار
ارتفاع حوالات الأردنيين من الخارج بنسبة 3%
تحطم طائرة ركاب هندية على متنها أكثر من 130 شخصا .. تفاصيل
شراكة لتعزيز دور المراكز الشبابية في التنمية
ارتفاع الدخل السياحي بنسبة 17.5% في أيار 2025
افتتاح معرض طوابع البريد العربي 2025
إسرائيل تخطر بهدم 30 محلا ومنشأة تجارية جنوب الخليل
للأردنيين .. تحذيرات هامة من الأمن العام
فيفا يمنح الأردن 10.5 مليون دولار بعد التأهل إلى كأس العالم 2026
التربية تدعو معلمين لحضور الاختبار التنافسي الالكتروني
تنفيذ قرار زيادة الحد الأدنى لأجور المتقاعدين العسكريين
الملك والملكة يصلان إلى الملعب لمؤازرة النشامى
كتلة هوائية حارة قادمة للمملكة من الجزيرة العربية .. تفاصيل
ماذا يشغل الأردنيين على مواقع التواصل اليوم
موعد مباراة الأردن أمام العراق والقنوات الناقلة
زيت الزيتون أم زيت الأفوكادو .. أيهما الأفضل لصحتك
الملكة للملك: كيف لا أستند إلى قلبك ووطن بأكمله يستند إليك
ولي العهد يشكر سلطنة عُمان على كرم الضيافة وروحهم الرياضية
الملكة رانيا تشارك صورة عائلية احتفالاً بالعيد
الفايز يهنئ المنتخب الوطني تأهله لمونديال كأس العالم لكرة القدم