سمّن كلبك يأكلك ..

مقالات السوسنة

سمّن كلبك يأكلك ..

12-07-2009 12:00 AM

وليد معابرة
بينما كنت نائما في ظلام إحدى الليالي ، وإذا بي أرى حلماً زرع في نفسي بذرة سوداء ؛ وسطر حياتي بمشاعر حزينة أسدلت بيني وبين الأمس ستراً من الغربة وسوء البلاء ، فقد كنت أرى في منامي أنني أعيش في زمن المحبة عيشا رغيداً وحياة هادئة ، فكنت أمتلك فيها مزرعة لتربية الغزلان والطيور الداجنة ، وبعض الصقور التي كانت تطير فيها وتجرح وتقتل من حاول الاعتداء عليها. وكان في زاوية المزرعة كلب أصفر أليف يحرس الأرض بانتباه دون أن يتعب أو يبدي شكواه ؛ حتى جاء يوم تجّمعنا فيه أنا وأصدقائي لشواء بعض اللحوم والتنزه في أرجاء المزرعة الخضراء لقضاء يوم جميل ، في ظل تلك الأجــواء المنعشة والهواء العليل. وعندما جاء موعد الوليمة سمعت نباح ذلك الكلب وكأنه يريد أن يشاركنا في عشائنا ، أشفق عليه أحد أصدقائي ورمى له عظمة يأكلها ؛ فأخذها بعيدا يتذوق طعمها مستمتعاً ومعلنا الرضا والقبول ، وبعد أن أكملها ؛ جاء مرة أخرى ليخطب خطبة النباح التي سيقدمها أمام حشد من محبي الكلاب ؛ فإنه الآن أصبح نبّاحاً في كل وقت وفي أي مكان بسبب أو دون إبداء للأسباب ، فأخذ جلسائي في ذلك المساء يضحكون منه ؛ فهم يعتقدون أنه جائع ولكنه في حقيقته مخلوق ارتهف حسه لعشق كلبة وقع في حبها وليس لديه القدرة لشراء عظمة كبيرة يقدمها لأم الكلبة التي يرجو منها الزواج منذ (33) قرناً!!.

أشفقت عليه في تلك اللحظات ورميت له عظمة يكسوها اللحم ليأخذها مهراً لمعشوقته ؛ لأنه كان في تلك اللحظات كائناً ظريفاً وجميلاً ؛ يحب المداعبة ؛ ولكنه أكلها دون أن يذهب فلعله يريد أن يشبع فضوله من الطعام قبل أن يأخذ تلك العظمة التي سيقدمها مهرا لخطيبته. توقف قليلاً عندما باغته واحد من الجالسين الذي أوهمه بعظمة كبيرة وأبى أن يلبي له طموحه الأكبر بأكلها ؛ مكشراً عن أنيابه التي تقطر باللعاب ومستعداً للهجوم المباغت ناظراً بعينين تقدحان غضبا .. ربما كانت كراهيته مقيتة يخبؤها بين أنيابه البيضاء التي يتقاطر منها اللعاب ، فهو لا يحب أن يخدعه أحد ؛ كما انه لا يحب الغرباء ، فأخذت قطعة كبيرة من اللحم ورميتها له فأخذ يأكلها متلذذا بطعمها ولكنه عاد مرة أخرى لإكمال الخطبة التي مللتها ومللناها جميعا حتى قررت أن أطرده خارج المزرعة ؛ فليس لي حاجة الآن بوضع حارس مثله ، فلدي من الصقور ما تجعلني أعدل عن الاستعانة بمثل هذا الكلب النجس.

وفي ليلة من ليالي الخريف وبينما هو مطرود جائع كعادته في آخر عهدي به ؛ رأيته قد جمع أصدقاءه من الكلاب لينقضوا غازيين على المزرعة التي أدرّت عليه الخير الكثير ؛ وجعلت منه كلبا عفيفاً عن السؤال ، فدخلوا المزرعة بادئين ببيت الطيور فأكلوا ما أكلوه وشردوا ما شردوه ، فهرعت الصقور مسرعة لإنقاذ المزرعة من الخراب ولكنها تفرقت عندما رأت تلك الأعداد الهائلة من الكلاب حاملين في جعبتهم مخالب?Z قد أحضروها لتلك المؤامرة ؛ فأخذوا يقتلون بعضها هنا ويجرحون أجنحتها هناك حتى أعجزوها عن الطيران. وهكذا دواليك ؛ حتى أصبحت تلك العصابة تهاجم مزرعة تلو مزرعة ، وتغنم منها … ، فلم يقفوا عند مزارع الطيور فحسب ، وإنما بطريقتهم تلك ؛ أصبحوا يتهجمون على مزارع الغزلان والجمال. استيقظت من نومي مهزوماً مفزوعاً من تلك الرؤيا ؛ وإذا بالمزارع قد أخرج الأذلُّ منها الأعز ؛ عندما استأسدت هذه الكلاب واستنوقت تلك الجمال ، فتبدلت غزلانها بالقرود بعدما هوت الصقور وطارت فيها الكلاب والحمير.
فإذا قيل لك إن الكلاب تعلو وتطير ، فصدق ؛ وقل لم يغدُُ ذلك بعسير ؛ فعند انقلاب الزمان بأرض ستهوي الصقور وتعلو الكلاب والحمير ، وتبدل غزلانها بقرود في مزرعة توفى عليها الضمير ، سمعت من الإعلام أننا انتصرنا وجثا على ركبتيه البعير ؛ ولكن لن يعيش الكذب عمراً طويلا فحبل الكذب دوماً قصير.

*جامعة آل البيت