خلوة "الهروب" من الناس

mainThumb

17-07-2009 12:00 AM

نشأت الحلبي

تقول الأخبار بأن السادة النواب ينوون عقد "خلوة" لمناقشة قانون ضريبة الدخل بحضور خبراء متخصصون في هذا المجال.
لأول مرة في الأردن سمعنا بتقليعة "الخلوة" إبان حكومة علي ابو الراغب، وأصبحت "الموضة" آنذاك أن "يختلي" الرئيس بوزرائه في أحد منتجعات أو فنادق البحر الميت، وما فهمناه بأن المقصود من الخلوة أن يناقش أصحاب المعالي قضايا هامة ومصيرية بالنسبة للوطن بعيدا عن أعين الصحافة أو "صخب" عمان لتصفية الذهن وهم على وشك إتخاذ قرارات مصيرية للوطن والمواطن، ولعل المفهوم الآخر الذي "شربناه" أيضا بأن الرئيس لا يريد من أي من أعضاء حكومته بأن يتهرب مثلا أو أن ينشغل بأي شيئ كان أثناء نقاش تلك القضايا، وتصورنا بأن الخلوة عبارة عن ورشة عمل وطنية بلا "موبايلات" ولا سكرتيرات، ولا سائقين ولا عائلة حتى ما دام أن ما يُناقش هو مصير المواطن والوطن.
ولعلنا في ذلك الوقت، كمواطنين، لم نلتفت الى أي شي آخر بقدر ما كنا ننتظر نتائج الخلوات وإنعاكسها علينا، ولم نلق بالا لتكلفتها المالية مثلا من قبيل تكلفة الإقامة في المنتجعات والفنادق، بل لربما كان في ذلك ترويجا للسياحة المحلية بطريقة غير مباشرة، وكان من الضروري مثلا أن يوضع السادة الوزراء لا سيما من دخلوا في التعديل، في صورة عمل وزاراتهم الجديدة وأين إنتهى الوزراء السابقون ومن أين يجب أن يبدأ الجدد.
لكن الغريب أن تنتقل عدوى "الخلوات" الى السادة النواب، ولا نعلم حقا بأي "حق" يلوذ النواب في خلوات لمناقشة قضايا تهم الناس وتمس مستقبلهم ومصيرهم في "الخفاء"، فالأصل في العمل النيابي بأن يراقب الشعب أداء ممثليه حتى يحكم على مدى خدمتهم له، والاصل ايضا أن يكون عمل النواب تحت عين الشعب من خلال الصحافة لا أن يناقشوا مصير الناس بعيدا عن أعين الناس.
وحتى لو قالوا بأن النواب يريدون أن يفهموا ما في جعبة الخبراء في مثل حالة قانون ضريبة الدخل، فإن ذلك لا يحسب للنواب، بل يحسب عليهم، وإذا ما آمنا حقا بأن النائب عبارة عن مؤسسة وليس عبارة عن شخص، فالأصل بأن يأتي النائب بهذا الخبير أو ذاك ويلتقي به وسط الناس، ويسمع أيضا آراء الناس حول أي قضية كانت قبل أن يقرر كيف يناقش تلك القضية تحت قبة البرلمان ليصوت في النهاية بالإتجاه الذي يصب في مصلحة الشعب، لا أن يتوصل الى قناعات عبر الخبراء في الخلوات ليخرج بالنهاية بما يتعارض ومصالح الشعب، وإضافة الى هذا كله، وعلى طريقة أن أهل مكة أدرى بشعابها، فإن الناس أدرى، والله، بمصالحها أكثر من اي خبير كان، فلا خبير ولا نظرية ولا دراسة يمكن أن تلامس أوجاع الناس بقدر ما يمكن أن يلامسها أصحاب الوجع أنفسهم.
ليس القصد هنا أن أزاود على النواب أو غيرهم، لكن القصد هو توضيح أن آلية الخلوه، وإن نفعت للحكومات، فإنها لا تنفع للنواب لأن وكما هو مفترض، صناعة الناس وممثلها وصوتها، وعليه فإن كل أعماله العامة وذات العلاقة بالناس يجب أن تكون تحت عين الناس لا في الخلوات والهروب من الناس، ولعل من يوافق على قصة هذه الخلوات، يريد الهرب من الناس لأكثر من سبب، ولربما أهم وأخطر الأسباب، حتى يغطي ضعفه في فهم مشاكل الناس، أو أن يغطي على أدائه الضعيف برلمانيا، أو أنه يريد أن يقرر ما هو ليس في مصلحة الناس، وإذا ما كانت تلك أسباب لأي كان، فيجب أن لا يبقى نائبا.
Nashat2000@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد