كل يوم والأمهات بخير

mainThumb

20-03-2010 12:00 AM

رياض الربابعة

لست بالكاتب أو الأديب الذي يملك أو يتملك ناصية اللغة والمفردات ليكتب بسلاسة ويسر كما يتمنى؛ ولكم تمنيت في لحظة كهذه أن لو كنت كذلك؛ كم أتمنى أن أكون أديبا مبدعا أو شاعرا يتلاعب بالكلمات والمفردات والقوافي ؛ لألملم لك من الكلام أجمله؛ ومن الشعر أعذبه؛ فأوقد من القوافي شموعا؛ وأحيك من الكلمات أوسمة ونياشين؛ ومن المفردات قلائد حب وعرفان أقدمها لك يا أمي.
أقف بصمت وخشوع ؛ أتوضأ من فيض حبك وحنانك؛ ومن طهر قلبك؛ وأحاول أن ألملم ما أستطيع من كلمات قد تحمل بعضا مما أريد أن أكتبه؛ لكنني على يقين بأن كلماتي أقل بكثير مما تستحقين.
أستحضر من حياتي ذكريات مضت وولّت؛ وأستجمع من الذاكرة كل أيام الفرح ولحظاتها؛ فأجد أن الفرح لم يكن يوما ألا معك أنت؛ وأن الحب الصادق هو أنت؛ وأن كل من سواك ممن يحاول تقليدك ومحاكاتك هم مجرد مقلدون لا مبدعون؛ وشتّان بين أصل وفرع ؛ وبين مبدع ومقلد.
في حضرتك يا أمي أعود طفلا صغيرا يتلعثم في الكلام؛ ولا تقوى يده على الكتابة؛ يقتله الشوق والظمأ للمسة حانية من أطهر يد وأنقى قلب؛ ينازعني الشوق والحنين للثم هذه الأيدي التي صيّرتني أنسانا يشتاق للثم وتقبيل يد أمه لا بل قدميها الطاهرتين .
لو أنني أخطأت في نظرة أو كلمة أو مجرد حرف مع أنسان؛ أي أنسان فسيقيم الدنيا ولا يقعدها؛ وسيتحول الى وحش بشري ليفتك بي لخطأ ربما لم أقصده؛ أما أنت فلكم أغضبتك .. وكم أحزنتك .. وكم وكم.. لكنك في كل مرة تستقبلينني بقلبك لا بذراعيك؛ فقلب الأم قلب مختلف؛ قلب لا يعرف الا الحب والطهر والبراءة والتسامح.
يا لله كم أنا محتاج في زحمة الأيام وسنوات الضياع التي تطوّق حياتي بعدك؛ لدعوة صادقة منك؛ لا يجيدها أحد مثلك؛ ولا يصدق فيها الا أنت؛ لأنها دعوة من قلب أم تجيد الحب وتصنعه ولا تدّعيه.
قلبي على ولدي ليس مجرد شعار ترفعه الأمهات؛ ولو أن قلوب الأبناء تحولت الى حجارة قاسية في أوقات كثيرة؛ لأنهم يحتاجون في كل عام الى يوم يعيد لذاكرتهم أن في الدنيا أنسانة ما زالت حيث هي: في بيتها القديم المتهالك الذي تحول الى "خرابة" ليس فيها سوى بقية من عبق الماضي؛ هذا البيت الذي لم يعد فيه الا هذه العجوز بسجادة صلاتها ومسبحتها الطويلة.
هذه العجوز التي لا يصل صوتها أحد؛ فقد أقعدها الزمن في ذات المكان؛ تمد يدها باحثة عن يد تساعدها في القيام فلا تجد؛ تنادي بصوت متقطع على أبناء نأت بهم أيامهم فلا يصلهم الصوت؛ تريد أن يقدم لها أحدهم قرص دواء وشربة ماء فلا تجد؛ تريد أن يصلها واحدا ممن نذرت حياتها كلها له أما وخادمة وممرضة؛ تريدها أن يوصلها لعيادة طبيب ليزيد لها في أكياس الدواء المتحلقة حولها حيث تجلس؛ ذهب كلهم ولم يبقى في المكان سوى عصا تتكيء عليها لتكون بديلا لها عن كل هؤلاء ممن تنكر لها وأنسلخ عنها ولم يعد يذكرها الا في يوم واحد من كل عام؛ أترى الأمهات محتاجات في هذا اليوم لأية هدية أقل من أن نتمرغ تحت أقدامهن لثما وتقبيلا؛ نغسلهن بدموع الأسف على كل لحظة عقوق لعلنا نصل الى رضاهن قبل أن يتركن الدنيا ويرحلن عنها غاضبات علينا؛ عندها لن ينفعنا رضا سواهن وسيأتي اليوم الذي نندم على كل ذلك أذ لات حين مندم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد