العرب والعالم: تحديات وخيارات

mainThumb

25-07-2009 12:00 AM

تلقيت دعوة كريمة من إحدى الصحف الكريمة تتناول فيه موضوع السلام مع العدو الصهيوني والخيارات العربية المعلنة والخفية في هذا الموضوع. وقد بدأت مداخلتي برجاء شخصي, بإجراء تعديل على صيغة السؤال ليكون: هل يملك العرب إلا خيار الاستسلام مع إسرائيل؟ ليكون الطرح أكثر مرارة ولسعا للأمة النائمة المتباكية, وليكون أكثر إيلاما للإخوة المتفرقين . وأنا إذ ارجو إجراء التعديل على السؤال ليعتصرني الألم والهم أن نصل إلى مثل هذه الحالة من الضعف والهوان والاستسلام. السلام خيار وقرار لا يقل في أهميته وصعوبته عن قرار الحرب , فالأمة التي تختار السلام طوعا امة قوية ولا تقل قوتها عن قوة امة اختارت الحرب وقدمته على السلام. للأسف أن القرارات العربية بخصوص السلام مع العدو الصهيوني تحديدا قرارات استسلام وهوان وضعف لا قرارات شجاعة مدروسة ومحسوبة. الأمة العربية متفرقة مختلفة, كل دولة تتربص بالأخرى, والمواطن العربي مسلوب الإرادة والهوية, محطم النفس منكسرا لا شغل له إلا لقمة عيشه التي بالكاد يجدها.

تقرير التمنية السياسية العربية 2009 والذي صدر قبل أيام عن الأمم المتحد كان مفجعا ومحزنا وينذر بالمزيد من المصائب لا قدر الله, ويدق ناقوس الخطر أو الأخطار التي تتهدد الوطن العربي الكبير. العرب هم أكثر اللاجئين عددا في العالم, والعرب هم أكثر الناس مرضا, والعرب هم أكثر الناس فقرا, والعرب هم أكثر الناس بؤسا. الدول العربية هي الأكثر تخلفا وهي الاسقم ديمقراطيا وإنسانيا واجتماعيا واقتصاديا, والدول العربية هي الأكثر غنا وبذخا وإسرافا وفسادا. وقائمة الألم والحسرة والأمراض والهوان والتناقض طويلة لا مجال لذكرها كلها, ولذلك فاني سأكتفي بعرض بعض الأمثلة لأترك للقارئ الكريم أن يحكم بنفسه ويكتشف الخلل والتناقض.
العرب يزيد عددهم عن 330 مليون ولكنهم محاربون ومنهزمون من حكوماتهم في لقمة عيشهم وفي كرامتهم وحريتهم, مقسمون إلى جماعات وجماعات, لا يربطهم رابط أو يوحدهم هدف أو وسيلة إلا وشوه وحورب وقطع. الشباب العربي ثروة الأمة وطاقتها وعدتها وعتادها والذين تصل نسبتهم إلى 65% من مجموع سكان الوطن العربي شباب يضيع بتدبير الحكومات العربية أو على الأقل تحت إشرافها وعلمها ومعرفتها. أردت أن أسوق هذه الحقائق لأعود إلى السؤال المطروح للحوار والنقاش بصيغتيه الأصلية والمقترحة مني لأقول: أي الخيارات قد تملك امة تعاني من هذه الأمراض؟ هذا على الوجه الأول, وعلى الوجه الآخر أقول: مما تخاف امة تملك كل هذه المقومات وكل هذه الطاقات؟
العدو الصهيوني الغاصب يعلم انه قد وقع اتفاقات استسلام مع العرب وليس اتفاقات سلام, ولو كان يعتقد أنها اتفاقات سلام لما رمى بها عرض الحائط كل صباح, ولما ردها في وجه موقعيها بخرقة سوداء نتنة كل يوم. كيف يعتقد العرب أنهم فعلا قد وقعوا اتفاقات سلام مع العدو الصهيوني وهم يرون المذابح ترتكب بحق إخوانهم في فلسطين في كل يوم؟ أي سلام هذا الذي يبيح للعدو الصهيوني أن يقتل الأطفال والنساء والشيوخ؟
العرب يتحاربون ويختلفون فيما بينهم على أتفه الأسباب أو حتى بدون أسباب أحيانا, ويحشدون جيوشهم ويسحبون السفراء ويقطعون العلاقات الدبلوماسية إن كتب كاتب في دولة ما كلمة قد يفهم منها أن فيها إساءة لدولة ما, بينما العدو الغاصب يقتل ويدمر ويلوث دون أن نحرك ساكنا!!
أوروبا على ما بينها من خلافات استطاعت أن تتوحد في فترة زمنية قصيرة نسبيا, وآخذت تبحث عن أول رئيس لأوروبا وهي وان بقيت تسير في هذا الاتجاه ستكون القوة الأولى في العالم قريبا, أما العرب وللأسف الشديد فيسيرون من فرقة وخلاف إلى قطيعة وتشرذم وانقسام.
أوروبا فيها الغني والفقير وفيها المتطور والمتحضر والمتأخر وفيها المختلف والمؤتلف ولكن حاجتها للوحدة جعلتها تتناسى كل هذه الاختلافات والخلافات لتصنع من ذاتها كيانا عملاقا في وقت لا مكان فيه للضعفاء.
العرب مهددون في هويتهم وعقيدتهم وهم الأكثر حاجة للقوة والمنعة وليس أمامهم لذلك إلا خيارا واحدا يسهل عليهم كل الخيارات الأخرى المطروحة, خيار الوحدة والاتحاد يجعل من الأمة العربية امة يحسب لها ألف حساب, ويجعلها ترتقي المكانة التي تليق بها بكل جدارة واستحقاق. العرب امة تتمتع بخصائص وصفات وروابط أقوى من كل الروابط التي وحدت الشعوب في أوروبا أو أي شعوب أخرى, ولو لم يكن عندنا إلا رابطة الدين واللغة لكفتنا, ناهيك عن الجغرافيا والتاريخ, ولكن الشعوب العربية مغيبة ومضيعة ومقسمة ومسيطر عليها والحكام يتفرجون ويلعبون. صحيح أن الظروف الحالية قد تكون غير مناسبة لإعلان الحرب ولكنها بلا شك الأنسب للمراجعة والتشخيص والتقويم والتعديل وبناء الطاقات وتحسين الإمكانات وبناء الإنسان.
abdallahazzam@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد