ما بعد غزة .. مخاطر ام صفقات ؟

mainThumb

19-01-2009 12:00 AM

قد يتبادر للبعض ان وقف اطلاق النار في غزة يعني نهاية المطاف في امور المقاومة والسياسة ومسلسل الصراع العربي الصهيوني , ولكن نظرة متفحصة للامور تجعلنا نشعر ان هناك مرحلة اخرى وهي الصراع مابين ثقافة وممارسة المقاومة من جهة , وثقافة وممارسة الحركات المكوكية المسماة المبادرات السياسية والتصريحات الداعية الى السلام الذي لا تؤمن به اسرائيل من جهة اخرى. وبالتالي خلق الازمات والصدمات المتتالية التي سيعاني منها العرب والمنطقة وربما العالم برمته .

وفي ظل هذه الازمة المحيطة وهذا الصراع في المنطقة كلها , بما فيها غزة العزة لا بد من وقفة تأمل ومراجعة وان نتساءل او نسال انفسنا على الاقل ونحاسبها , مالذي حدث ويحدث في غزة العزة ؟ وما الذي يحدث على الصعيدين الفلسطيني والعربي , وعلى المستوى الدولي ؟ وماذا سيحدث ؟ اسئلة لا يحيطها مقال , بل اسئلة قد تبدو بريئة وهي ليست كذلك بكل المقاييس .

اذا اردنا ان نأخذ الامور بجدية عقلانية ( وهي امور لا تنقص الكثير من العرب ) بعيدا عن العاطفة نجد للاسف الشديد انقساما فلسطينيا داخل فلسطين وحربا ضروسا بين حماس والسلطة في رام الله , الى درجة محزنة جدا . فالدم الفلسطيني يجب ان يوحد ولا يفرق . وما فرقته السياسة يجب ان يوحده الدم . ولكننا نتحدث عن تمنيات للأسف الشديد في موضوع الصراع بين فتح وحماس .

حركة المقاومة الوطنية الاسلامية حماس وهي مدعومة من سائر فصائل المقاومة ومن الشعوب العربية واهل غزة العزة , تريد ان تمارس السيادة على سلطة الحكم الذاتي كونها اول حكومة عربية منتخبة ديمقراطيا , بل الحكومة العربية الوحيدة التي جاءت فرزا حقيقيا لارادة الشعب العربي في فلسطين وهي الان تتمتع بشعبية عالية في كل مكان في العالم وبخاصة عند العرب في سائر انحاء المعمورة .

واما حكومة السيد محمود عباس / او حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله , فإنها لا تكتم اهدافها في اعلان القضاء على حماس او تحجيم دورها في حالة اضعف الايمان,وقد فقدت رصيدها العربي والاسلامي .

وبذلك أعطت السلطة في رام الله لنا كعرب ( في الاغتراب على الاقل ) انها ليست مهتمة كثيرا فيما يحدث في غزة رغم شلال الدم العربي الفلسطيني الزكي الطاهر . بل اعطتنا السلطة الموقرة انطباعا انها غير مهتمة اذا ما دمرت اسرائيل غزة , وقتلت الاطفال والنساء والرجال وحرقت كل شيء .وهذا ما نراه على الواقع .وان كنا نتمنى ان يكون وهما .

وبناء عليه فان السلطة الفلسطينية في رام الله قد اعطتنا الانطباع ان همها ان تكون صاحبة اليد العليا في منطقة الحكم الذاتي بغض النظر عن اي مشروع ماسوني صهيوني استعماري ضد فلسطين والشعب الفلسطيني وربما تكون هذه اخطر ورقة تلعب بها السلطة لأنها تدرك المعنى الحقيقي للعدوان .

من الواضح ان اسرائيل لن تتوقف عند غزة بل ستذهب بحلمها الى ما هو ابعد من غزة بكثير حتى تحافظ على نفسها وتكسر الاقاويل التي تنذر بنهايتها , وهي فرصة للعدو الان ان يفتح طريقا لهذا المشروع ويواصله مستغلا الدعم الامريكي , والتخاذل العربي . وقد تكون العديد من الدول العربية حتى التي يقال عنها انها دول الاعتدال , اقول قد تكون هي الوجبة القادمة للشهية الصهيونية في ابتلاع الاراضي العربية .

اما على صعيد الحكومات العربية الذي نرى فيه كثيرا من التناقضات والمشاحنات البينية ( اي بين دولتين ) او التناقض في موقف الدولة الواحدة كتقلب الحرارة في الخريف . فاننا نجد شرخا سياسيا كبيرا ( بل شروخا متناقضة ) بين الشعوب والحكومات , فبعض الحكومات تعتقد انها اذا وقفت الى جانب الحياد والصمت لتترك العنان للاحتلال ان ينفذ مخططه فان اسرائيل وامريكا ستحميهم ليبقوا الى ماشاء الله في كراسيهم .

وبالتالي وقفوا موقف المتفرج من شلال الدم في غزة العزة واكتفوا بالتصريحات والهروب الى الخلف او الاختباء وراء الجدران والحراسات .

والبعض الاخر من هذه الحكومات يعتقد انه اذا ما نجحت المقاومة ( وقد نجحت نجاحا باهرا ) فان ذلك النصر سوف يتطور الى ايجاد ثقافة المقاومة ( وقد بدات تتبلور بقوة الان ) لتشكل بذلك كابوسا و خطرا عليهم وسينتشر فكر المقاومة وثقافتها في بلادهم وشعوبهم وهذا ما لا يتمنونه , وهم يضعون رؤوسهم في الرمال امام هذه الحقيقة .

واذا ما استمرت مثل هذه الحكومات العربية بتوسيع هذا الشرخ الحكومي الشعبي , او نقول الشرخ مابين عقيدة المقاومة وثقافتهم الاستسلامية , فان مثل هذه الحكومات لن تكون قادرة على كبح جماع شعوبها .

من هنا فان الانسجام الحكومي مع الشعوب وتوجهات الشعوب هي اكسيد الحياة السياسي الذي يضمن بقاء هذه الحكومات ,وان ثقافة القمع والقهر لم تعد مؤثرة امام خلع الشعوب لقناع الحياء السياسي في تعاملها مع الحكومات .

ولو تفحصنا هذه الازمة جيدا والتي ترتبت على العدوان الصهيوني على غزة العزة فاننا لن نجد هناك قرارات حكومية عربية حاسمة لمساندة غزة , وان ارتفعت وتيرة الكلمات التي سئمناها وهي : نشجب وندين .

ويبدو ان الكثير من الحكومات قد عادت الى المربع الاول وهو استجداء ما يسمى بالسلام , والتردد في اتخاذ القرارات الحاسمة المنسجمة مع الشعوب وارادة الشعوب .

ولكن السؤال الحقيقي هو, هل من مصلحة الحكومات ان تقف متفرجة بينما تغلي شعوبها على مرجل نار صمت حكوماتها , تؤججها جراحات غزة العزة ؟ , وهل فكرت الحكومات المتخاذلة ان شعوبها تحولت الى براكين وحمم قد تخرج في اي وقت ؟ او مثلها كمثل البراكين التي اذا ما انفجرت لا يوقفها الا الله؟, لذا فمن الاجدر بالحكومات ان تتخذ قرارات تتماشى وارادة شعوبها حتى لا تكتب نهايتها بيدها ولا ان تفتح الابواب لاسرائيل لتنفيذ مخططاتها التوسعية .

من زاوية اخرى , فانه لو ان اسرائيل نجحت في هذا العدوان على غزة العزة فانه سوف يطل علينا ( في الاردن ) شبح الوطن البديل والتهجير الفلسطيني من فلسطين ضمن سياسة صهيونية ماحقة ومبرمجة بغطاء دولي وعربي . وان المخطط المخيف الان هو نية اسرائيل وامريكا ومن يساندهما من بعض الحكومات العربية لضم الضفة الغربية الى الاردن وخصوصا اذا ما اعتلى اليمين المتطرف ( نتنياهو ) سدة الحكم في اسرائيل وهذا ما نخشاه ولا نتمناه .

ومن الواضح ان فرص الليكود برئاسة نتانياهو اصبحت هي الاقرب للفوز برئاسة الحكومة الصهيونية وهي المعروفة بتبنيها سياسة التفريغ الفلسطيني من فلسطين واقامة الوطن البديل , لان الوطن البديل يعني فيما يعنيه لدى الصهيونية اغتصاب الحق الفلسطيني والقضاء على التراب الفلسطيني ووحدة شعبه وضياع الهوية الفلسطينية , وتحفيز وتكريس مبدأ فرق تسد , وهذا ما يتوجب علينا الانتباه لهذه اللعبة الصهيونية التي اذا ما نجحت ستكون كارثة خطيرة على المنطقة وبالاخص الاردن وهذا ما لانتمناه .

من هنا فان ما بعد غزة هو الاخطر الان فهل انتبهنا جميعا لهذا الخطر .

bisherko333@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد