أم الجمال .. بين الحركة والسكون .. !! ج1/3

mainThumb

19-06-2009 12:00 AM

م . سالم أحمد عكور
تعتبر السياحة أحد الأنشطة الهامة للإنسان ، فكما تهاجر الطيور محلقة فوق المحيطات ، وتعبر القارات ، تبحث عن مناطق أكثر دفئاً . والحيوانات تجوب الأرض بحثاً عن الكلأ والماء . يسافر الإنسان أيضاً ويقطع آلاف الأميال ، تدفعه الرغبة في ارتياد مناطق جديدة والاستمتاع بجمال الطبيعة في تلك المناطق التي يزورها .

أهمية أم الجمال في التاريخ ...

مدينة أم الجمال الأثرية ، هي واحدة من مجموعة كبيرة من المدن الأثرية المبنية من الحجر الناري الأسود ، والتي تمـتد إلـى أن تدخـل حدود جبـل الدروز ، ومـن أهمهــا مدينــة ( بصرى ) في سوريا . ومدينة أم الجمال الأثرية هي المدينة الجنوبية القصوى في هذه المجموعة .
وهناك مدينة أخرى مماثلة لمدينة أم الجمال وتبعد عنها باتجاه الشرق بنحو خمسة وعشرون كيلومتراً تدعى أم القطين ، إلا أن أحجار هذه المدينة قد نزعت ونقلت إلى أماكن أخرى لاستعمالها في الأبنية الحديثة ، ولم يبقى من تاريخها وأطلالها إلا قليل القليل .
إن جمال البنيان في مدينة أم الجمال الأثرية ، لا يقـل عن ذلك الجمال الذي تتمتع به كافة المدن الأثرية الأخرى على أرض الأردن ، فهذه المدينة التاريخية التي تربض أطلالها في طرف السهل الصحراوي المنبسط من البادية الشمالية الشرقية ، وتبعد عن مدينة المفرق باتجاه الشرق إلى الشمال من طريق بغداد بنحو إثنى عشر كيلومتراً ، مدينة نبطية و من المرجح أن تكون قد أسست في زمن حكم الملك الحارث الثالث ( 87-62 ق.م ) من أجل أن تبقى طرق التجارة بعيدة عن مطامع الغزاة وأن تبقى آمنة وباستمرار . إذ كانت القوافل النبطية تسير بمحاذاة وادي السرحان وتتجه إلى مدينة أم الجمال لتستريح فيها قبل التوجه إلى بصرى ومن ثم إلى الشام . ويعتقد أيضاً أن تكون ( أم الجمال ) قد تأسست قبل عام 62 ق.م . أو في النصف الأول من القرن الأول قبل الميلاد .
أسست " أم الجمال " لتكون مدينة تجارية ، حيث كانت القوافل تستريح فيها وتغادرها ، وتبلغ مساحتها ثمانين دونماً يحيط بها سور يبلغ سمكه من متر إلى مترين ، وشيد الأنباط فيها مساكنهم ومعابدهم وحفروا الآبار وبرك المياه لسد حاجات سكانها والقوافل المارة فيها .
ولخلو المنطقة من الينابيع ، أقيمت السدود ومنها كانت المياه تتدفق إلى البرك التي أُنشأت لسد حاجاتهم من المياه داخل المدينة . وتكثر الساحات في المدينة التي كانت تستقبل فيها القوافل ، كما تكثر فيها أماكن السكن .
أما سور المدينة الذي أقيم في القرن الثاني بعد الميلاد ، ورمم في القرن الـــرابع ، فيه بوابة واحدة من الشمال ، وبوابتان في كلٍ من الجهات الأخرى . وتحمل البوابتان الشرقية والجنوبية أبراجاً للمراقبة وللدفاع عن المدينة .
ما يزال في المدينة الكثير من الآثار التي تعود إلى العصر الروماني بحالة سليمة ، ومنها الثكنة والتي تحتوي على ساحة مفتوحة تحيط بها أبنية من طابقين وبرج تتخلله مزاغل لإلقاء المقذوفـــــات . ولقد تحولت هذه الثكنة في العصر البيزنطي إلى دير ، والأدلة على ذلك ، الكتابات الموجودة على دائرة البرج ويتخللها الصلبان .

أثر الحركة والسكون على المدينة التاريخية ...

إنني وفي هذا المجال أستذكر وصف الأستاذ لويس مخلوف في كتابة الأردن تاريخ وحضارة بما فعله الإنسان في الأزمنة الغابرة في مدينة " أم الجمال " حيث قـــال : " إن كانت الصحراء تخدع الإنسان ، فتقدم الحقيقة سراباً ، وإن كانت تقاوم دائماً وجود الكائنات الحية من حيوان ونبات ، فلقد سيطر الإنسان عليها ، فحول سرابها إلى حقيقة وأرغمها على تقبل وجوده ووجود كل كائن حــــي " .

إلاّ أن الزائر لهذه المدينة التاريخية في أيامنا هذه ، وعند رؤيته لهذه المدينة من بعيد ، وقبل أن يصل إليها ويدخل في أرجائها ، يخال له للوهلة الأولى أنها مدينة تنبض بالحياة ، فما أن يقترب منها ويدخل في أرجائها ، ويتجول بين معالمها المتناثرة هنا وهناك ، يجد أن الحياة قد فارقتها من غير رجعة ، وأن وضع أحجارها السوداء التي ميزتها عن غيرها من المدن التاريخية الأخرى ، وأن الخراب والدمار في معالمها ، يشعرك بأن الإنسان قد جعل الحقيقة التي كانت عليها هذه المدينة إلى سراباً ، فرفضت تقبل وجوده ووجود كل كائن حي فيها . وسيطرت الإنسان عليها تمثلت بإهمال القطاعين الرسمي والمجتمع المحلي لمدينة أم الجمال الحديثة مما ساعد في ضياع وبعثرة الكثير من هذه المعالم الجميلة ، طمعاً في العثور على كنـوز مدفونة ، أدى بالتالي إلى إهمالها وعدم المحافظة على ما تبقى من آثارها وجعلها عرضة لأعمال السلب والنهب لثرواتها واستخدام حجارتها في الأبنية الحديثة بصورة لا تتلائم وتاريخ المدينة العريق ، فقلب?Z أوزان الطبيعة وأوزان التاريخ ، من الحركة التي كانت تنبض بقوافل التجار وغبار أقدامها التي كانت تحيي المكـان ، إلى السكون الذي أصبح ميزة الموت البطيء لها ، حتى أصبح الحزن يلف حجارتها يستذكر ماضٍ كانت الحياة فيه تعم أزقة وحواري المدينــــة .
وعلى الرغم من اللون الحزين الذي تتميز به أحجار هذه المدينة التاريخيــة ..!! إلاّ أن الإتقان في تشكيلها بهذه الصورة الجميلة التي هي عليه ، لم يجعل للحزن مكاناً فيهــا . بل أعطاها رونقاً جميلاً ورصانة في تصميماتها المعمارية . وجعلت من الفرادة المتميزة التي تتمتع بها هذه المدينة ، حكراً عليها لتكون شاهداً على عظمة فنونها عبر العصور المختلفة .
وسيبقى الألم والحزن فينـا نحن ، إن لم نـدرك هذه المدينة التاريخية والمحافظة عليها من غزو يد البشر . ومن يوم مريرً قد تغيب الشمس فيه عليها ، فلن نجد حينها أطلالاً أو بقايا أطلال نستذكر بها التاريخ ، والتي من الممكن أن تنقل وتستخدم في الأبنية الحديثة ،!! كما هو الحال في مدينة أم القطين التي أصبحت سراباً وبقايا تاريخ وبقايا حضارة .

أبرز المعالم الأثرية في مدينة أم الجمال ...

تحتضن هذه المدينة التاريخية الكثير من المعالم الأثرية في أرجائها تعود إلى عصور مختلفة توالت عليها ومن أبرزها :-
1- بوابة " كومودوس " البوابة الشمالية للمدينة ، مكونة من برجين يجمعهما قوســـــان .
2- دار الولاية : تقع بين البوابتين الغربيتين ويعود تاريخها إلى 371 م .
3- الثكنات العسكرية " تسمى الآن الدير " ، بنائها مستطيل الشكل ، فيه كنيسة من ثلاثة أجنحة ، وفي الزاوية الجنوبية الشرقية يرتفع برج من ستة أدوار ، وكتب على كل شرفه من الشرفات البارزة على جهاته ، اسم أحد رؤساء الملائكة : جبرائيل ، ميخائيل ، رفائيل ، ويرئيل .
4- الهيكل النبطي : إلى الشمال الغربي من المدينة .
5- الكنائــــس : فيها بقايا لخمسة عشر كنيسة .
على الرغم من أن مدينة أم الجمال تخلو من وجود المدرجات والشوارع المعمدة الفخمة ، إلاّ أن سحر جمال الصحراء ، كان قد جعل منها مدينة تجارية حيّة تتوافد عليها القوافل من كافة الاتجاهات . akoursalem@yahoo.com
" للحديث بقية في ج2 "


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد