غرام وانتقام

mainThumb

24-06-2009 12:00 AM

حسن بلال التل

بدأ الامر كنكتة (بايخة) تحولت الى ما يشبه فيلم مصري قديم وانتهت الى كابوس يهدد احدى اهم المؤسسات الدستورية والسلطات الوطنية. العلاقة بين الصحافة ومجلس النواب التي بدأت متوترة بفعل الاسلوب الذي وصل به الكثير من النواب الى تحت القبة, ثم محاولاتهم الحثيثة للتعويض عن الخسائر المادية التي تكلفوها اثناء الانتخابات عن طريق (التكويش) على اكبر قدر ممكن من المكاسب والمزايا المالية البحتة خصوصا والمادية عموما, تحولت الى علاقة من النوع المستحيل بعدما رفضت الصحافة الصمت امام هذا الواقع فـ((بدأ)) الامر بضرب بعض الصحفيين تحت القبة وتكسير معداتهم, ليتطور الى قرار سري (معلن) من قبل رئاسة المجلس بالتضييق على الصحافة, ثم يتطور قليلا الى مقاضاة الكتاب الصحفيين, ثم يتفجر على صورة سب وقدح علني وجماعي من النواب لمجمل الجسم الصحفي الاردني, بصورة لم يشهدها الاردن ولا غيره مهما ساءت العلاقة بين اي من السلطات والجسم الصحفي, فالمسألة لم تكن نقدا مهذبا او حتى فجا بل كانت شتما اشبه بما يحدث في شجار مقاهي.

هذه المواجهة من قبل مجلس نيابي فاقد للشعبية انجرت على علاقة النواب بمجمل اطياف الشعب, حيث تخندق الاردنييون خلف الصحافة في مواجهة مباشرة مع مجلس النواب الذي ما عاد من المستساغ وصفه بأنه جزء من (مجلس الامة) او بالممثل الحقيقي للشعب الاردني ولناخبيه, خصوصا بعدما توسعت نوبة الشتم تحت القبة لتشمل الاردنيين كافة في عبارة لاحد النواب قال فيها: من وين انجيبلهم نواب؟؟ من سيرلانكا ؟؟, هذا بعد ان صرح اكثر من نائب خصوصا من نواب (المال السياسي) أن من باع صوته فليس له الحق بأي مطلب او اي تمثيل!!! بل ان احد النواب تفاخر تحت القبة قائلا: لو اعيدت الانتخابات لنجحنا انفسنا وبنفس الطريقة.... في ما فهمه الكثيرون بأنه اشارة مباشرة الى اسلوب استغلال المال السياسي, وعدم تورع الكثير من النواب عن الاساليب غير السليمة التي اوصلتهم الى مقاعدهم التي فهموما على انها مراكز تشريف ووجاهة وليس كرسيا من كراسي المجتمع المدني والعمل العام, وهو ما تجلى واضحا في تشبث النواب بموازاتهم بالوزراء في النواحي المادية متجاهلين واقع ان الوزير هو اولا موظف في السلطة التنفيذية لم يطرح نفسه كممثل ومخلّص للشعب بل تم تعيينه, وايضا فهو موظف حكومي يعمل حصريا طوال فترة توليه منصبه وليس لديه عطل وفترات انقطاع طويلة وهناك من يراقبه ويحاسبه على كل تغيب وانقطاع والذي من المفترض انهم النواب, وثانيا ان القانون يحرم على الوزير الاشتغال بأي وظيفة اخرى طوال فترة اشغاله لمنصبه على خلاف النواب, لكن النكتة كبرت عندما تجاوزت رواتب النواب وميزاتهم ومكاسبهم كل ما يأخذه الوزراء بل وما يحلم به بعضهم, من رواتب, الى تقاعد, الى اعفاءات, وهبات حكومية مباشرة وغير مباشرة وتحت اكثر من مسمى, ووصلت الى اشياء غاية في السطحية مثل المطالبة اللحوحة بإعادة الجواز الخاص الى اعضاء المجلس, وهو احد الامور التي استهل جلالة الملك عبدالله الثاني عهده بالايعاز بتقنينها والغائها ليس عن النواب فحسب بل عن الكثيرين ممن لم يكن هناك من داع لان يحملوها لان طبيعة وظائفهم لا تحتاجها, وذلك في سبيل حث عجلة الاصلاح السياسي.

حتى الآن بقي الامر في اطار النزاعات "الشخصية" و(المجاحرة) بين السلطة التشريعية والسلطة الرابعة, لكن اختيار مجلس النواب اللعب بالقانون وتوظيف السلطة التشريعية كسلاح غير شرعي في معركة هم من خلقها وابتدأها فهذا تهديد خطير لقبة مجلس الامة وكل ما تمثله وكل ما يقبع في محرابها, وهو امر ما عاد يحتمل السكوت او الانتظار لا شعبيا ولا رسميا.

الاصل ان علاقة سلطات الدولة بالصحافة والاعلام هي علاقة احترام قد يتطور احيانا عندما تُحسن هذه السلطات اداء مهمتها الى علاقة غرام, لكن حتى عندما تسوء هذه العلاقة وتدخل مرحلة الانتقام, فان هذا الامر يكون عادة من جانب السلطة التنفيذية او بشكل ادق الحكومة, فيما تكون علاقة السلطة التشريعية وبالذات النواب علاقة تكاملية توافقية مع الصحافة باعتبارها احد قنوات العمل الرقابي التي يستفيد منها النواب, لكن يبدو ان بعض نواب المجلس الخامس عشر اساؤا الفهم عندما توقعوا ان شراء الجسم الصحفي وتجييره لصالح التلميع وتحويله من قناة رقابية الى ستار لاخفاء الاخطاء, هو امر ممكن او مماثل لشراء بعضهم للاصوات والذمم, وعندما تبينوا ان هذا ليس واقعا ثاروا كعاشق مخدوع اكتشف فجأة انه في علاقة حب من طرف واحد!!

يقول الشاعر مظفر النواب في ختام احدى قصائده: (كوني خرابا فهذه الامة تحتاج لدرس في التخريب), وبما ان نوابنا غير قادرين على الاصلاح ومجاراة الديمقراطية فأصبح لا بد من درس في التخريب... لذا اضم صوتي الى اصوات القائلين بحل المجلس او حتى تجميده والعودة الى مجلس استشاري وطني قادر على اعادة الحياة الديمقراطية الى مسارها السليم والمنشود.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد