يموت لأجلها الشرفاء ويفاوض عليها الجبناء

mainThumb

06-01-2009 12:00 AM

هكذا هي الأوطان ، تحرّر بدماء الشرفاء ، وتبقـر لاجلها بطون الأطفال ، وتتقطع أكباد الأمهات ، وتتجمد الدماء في عروق المقاتلين ، المرابطين في ليل كانون الثاني ، في خنادقهم ، وتتيبس أصابعهم القابضة أجساد بنادق كساها جليد ليالي غزة ، ببطون فارغة ، وأجفان أضناها السهر ، وأقدام أدمتها حصى غزة وتراب غزة ، وعيون أعشاها وميض القنابل ، وأنوف أزكمتها رائحة البارود .

أفكار وهواجس تهاجم المقاتلين المرابطين ، هنا صور لأطفالهم يتجمعون حول مدفأة ، يتموضع فوقها إبريق شاي ، يعلوه بخار الماء ، وأخرى لهم يقفون أمام مكاتب الوكالة ، ليعود كل منهم بكيس من دقيق .

صور ومشاهد متداخلة ، تمر بمخيلات هؤلاء الرابضين في الخنادق والأنفاق ، هذا خالد بن الوليد، فارع الطول ، شاهرا السيف ، رافعا عقيرته : (الله أكبر الله أكبر) . ثم لا تلبث الصورة أن تذوب كغيرها ، وتحتل إطار المخيلة الصورة الكبرى ، غدا سيأتي أولئك الجبناء ، المختبئون في غرف النوم الدافئة ، أصحاب الربطات الأنيقة، تفوح منهم رائحة العطور الباريسية، لتخبئ رائحة عفونتهم، سيأتي أولئك القوم ، وفي جيوبهم حجوزاتهم بأفخر الفنادق ، ودفاتر شيكاتهم ، غدا سيجلسون حول الطاولات المستديرة ، وأمام كاميرات التلفاز، مؤدبين هادئين ، حفظوا البرتوكلات ، وتدربوا على الاتيكيت في الحديث ، على يد خبراء مدربين ، قدموا لهذا الغرض من وراء البحار.

غدا ستطل علينا صورهم من على الشاشات ، وهم يصرحون ويتشدقون في المؤتمرات الصحفية ، غدا سيتسابق المراسلون الصحفيون إليهم ، لكن الجبناء يعرفون أنهم ما ذاقوا برد غزة ، وأنهم ما حملوا في جيوبهم رصاصة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد