الجاهات و العطوات العشائرية

mainThumb

01-05-2009 12:00 AM

يتساءل الكثيرون في الأردن صباحاً مساءً إن كان قد بقي للجاهات والعطوات العشائرية أي مكانة او دور في المجتمع الأردني المعاصر. ورغم صعوبة الإجابة عن مثل هذا التساؤل إلا أن المتابع للشأن الاجتماعي الأردني بدقة تامة يمكنه الإجابة بسهولة عن مثل هذا السؤال.

في البداية يعتبر الارتباط الاجتماعي بالجاهات والعطوات أمراً تاريخياً يكاد ينتشر في بلاد الشام عامة ولكنه يبرز أكثر شيوعاً وانتشارًا في كل من الأردن وفلسطين ويمتد حتى يصل إلى الامتداد العشائري لبدو صحراء سيناء وبادية الشام على العموم، ولكنه متواجد بقوة أيضاً في الأرياف والمدن في هذه المناطق.

وقد برزت أهمية الجاهات العشائرية في ظل غياب القانون الذي ينظم العلاقة بين الأفراد قبل نشوء المجتمع المدني والنظام القضائي بشكله الموجود حالياً رغم أنه لم يكن مكتوباً أو منصوصاً عليه بشكل واضح ولكنه كان متداولاً ومحفوظاً وله رجاله الذين يقومون بالعمل به وهم من كانوا يعرفون في ذلك الوقت بالشيوخ أو القضاة العشائريين. وكانت الناس ترتحل إليهم لمسافات طويلة تتعدى حدود الجغرافيا القبلية بسبب سمعتهم الطيبة ونزاهتهم وصواب أحكامهم .

إذاً فقد كانت الجاهات جزءًا من النسيج والعقد الاجتماعي للمجتمع لسنوات طويلة لعبت خلالها دور رجال الأمن والقضاة وأحياناً السجانين حيث كانت مهمتهم الرئيسة تقوم على أساس إصلاح ذات البين بين الناس ورد المظالم إلى أصحابها وتنظيم العلاقات الاجتماعية والعشائرية والحفاظ على المجتمع سليماً معافى. وكان الرجال الذين يقومون على هذا العمل يتمتعون بالسمعة الطيبة والتقدير الكبير من المجتمع. فهل انتهى دورهم الآن في ظل وجود دولة القانون والمؤسسات؟

ولكي نجيب على هذا السؤال يجب علينا أن نفكر قليلاً في حاجة دولة القانون والمؤسسات لهذه الفئة من الناس وقياس مدى أهميتهم وعلينا أن ندرس قليلاً كلاًّ من المكون الجغرافي والفكر الاجتماعي لهؤلاء الأفراد الذين يتبرعون للقيام بهذا العمل أو الذين اتفق المجتمع على توكيلهم للقيام بهذا العمل.

حيث نجد أنهم يمثلون مناطق المملكة جميعاً وينتشرون في البادية والأرياف والمدن والمخيمات والأحياء والحارات والعشائر بنطاقها العام، والأسر بمكوناتها الأصغر وأفرادها الأقل.

ويتواصل هؤلاء الأشخاص فيما بينهم بطريقتهم الخاصة ويتداخلون مع بعضهم البعض بطرق ووسائل خاصة وكأنهم تنظيم قائم على أسس مكتوبة تحكمها نصوص محكمة الترابط هي ما نسميه العرف الاجتماعي أو العادات والتقاليد والذي عملت الدولة على تشجيعه لعلمها بقدرته على رفد القانون بقوة إلزام يفتقد إليها القانون نفسه في الأمور الاجتماعية. حيث يؤطر العرف الاجتماعي العلاقات بين الأفراد وينظمها ويحافظ عليها لما يتمتع به القائمون عليه من تأثير واضح في نطاقهم الجغرافي والاجتماعي. فلا عجب أن يتمتع هؤلاء الأفراد في الأغلب بدرجة عالية من الاحترام تجعلهم قادرين على حل الكثير من القضايا التي تستعين بهم الدولة عليها .

إذاً فالحاجة إليهم ما زالت موجودة وأهميتهم ما زالت قائمة رغم التحفظات التي يبديها الكثير من الناس وخاصة المثقفين منهم على التشكيل الاجتماعي لهذه الفئة التي يغلب عليها رؤساء القبائل والعشائر ووجهاء المناطق والكثير من المثقفين الذين لديهم القدرة على الإقناع والتحدث بلباقة ويمتازون بالصبر والإناءة وتقبل النقد وأحيانا القذف والقدح والاتهام بالتحيز برحابة صدر وأفق واسع .

وفي مرات كثيرة يتم الاعتداء عليهم وطردهم والوقوف في وجه مقاصدهم والنيل منهم ولكنهم يتغيرون ويتبدلون ويعودون للعب نفس الدور حتى يوفقوا بالنجاح ويصلحوا ذات البين بين الناس ويعملوا على وأد الفتن وتقريب وجهات النظر وبيان الصواب من الخطأ ومعاقبة الجاني والمخطئ دون امتداد التـأثير إلى غيره من المحيطين به.

كما أن الحكام الإداريين يستعينون بهم في حل الكثير من القضايا الاجتماعية لما لهم من كلمة مسموعة وتأثير واضح في مناطقهم رغم أن الكثير منهم لا يتمتع بالثقافة العلمية العالية ولكن اغلبهم يمتاز بثقافة اجتماعية مؤثرة وإطلاع واسع عي العادات والتقاليد في المناطق المختلفة بالإضافة غالى سلامة القول وفصاحة المنطق.

إلا أن الأمر المهم هو أن لا يتقاطع مجال عمل رجال الجاهات والعطوات مع أحكام القانون وان لا يكون متداخلا مع مصالح الدولة التي يعمل الجميع على تقديمها على ما سواها من الأمور.

وخلاصة الأمر أن النظام القبلي الذي يسود المنطقة لا يمكن الاستغناء فيه عن الحاجة إلى العادات والتقاليد القبلية دون إغفال أهمية القانون وسيادته في النهاية ، فالكثير من نصوص القانون وضعت على أسس اجتماعية ولقد أقر الدين الكثير منها وطالب بالتمسك بها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد