تهويمات عامل

mainThumb

03-05-2009 12:00 AM

عمره يشرئب الى السبعين، لكن إهابه تجاوز الثمانين، وجهه مليء بالهم والحزن والأسى، نظراته لا تخلو من عتاب، تنكسر عند أول لقاء مع عيون الآخرين.. المترفين في مؤسسته، يقف أمام الباب منذ سنوات طويلة يرى وجوها كثيرة لا يسجلها في ذاكرته، لكن وجوه بناته الست لا يفارق ذاكرته! لمن يتركهن ولا معيل؟! لم يستطع تدريسهن، كانت رسوم الجامعات أكبر من أن يقوى عليها راتبه الهش، الذي يتلاشى في أول أسبوع من الشهر، تكسره فاتورة الكهرباء فما بالك برسوم الجامعات الجنوني، تنهد، آه لو كانت كل واحدة منهن في وظيفة لما كنت أنا الآن أجرجر شبحي على الأبواب أختبئ من الموت بين الأضواء الصامتة، الكل يحترم الكبير إلا في بلادنا كلما زاد عمرك زاد شقاؤك، لم يقدروا شيبتي.. بعد كل هذا العمر، يأتي فتى صغير ينتهرني ويتحكم فيّ!.

لم تنصفني الحكومة! أكلتني لحما ورمتني عظما، لم تدر عن حالي ولم تسأل عني إلا لتأخذ، لم تعرف حكومتنا العطاء يوما، تتحدث عن البطالة وهي لا تقدم للمتعطل شيئا، حتى إحصائيات البطالة لا تعنيها وإذا عنتها فمن قبيل العلم فقط ولم تتكلف قرشا واحد لتقدمه للمتعطل، ألقت الأحمال كلها على ظهري المنحني من كثر الكد وطول السنين ولم تسأل! باعتني لشركات جمع الأموال ولم تحمني من غولها!.

الحكومات في العالم تعرف كل شيء عن مواطنيها..تأخذ من شبابهم وتعطيهم في شيبتهم، إلا عندنا حتى لو أن كل أولادك متعطلون لا تأبه فيهم ولا في حاجاتهم، وإن حاولت الطلب منها تعطيك فتات لا يكفيك خبزا ثم تضع عليك ألف رقيب وحسيب لتتملص من الدنانير الهزيلة التي تكرمت بها عليك.

منذ أن تعاملت مع الحكومة وأنا أدفع ضرائب للجامعات ولم أستفد منها شيئا! ولم أستطع تدريس بناتي في أي جامعة، لماذا تجبرني الحكومة على أن أهرق ماء وجهي لأعيش، لماذا تجعل حقي عندها منّة، وبدل أن أكون مواطنا محترما تصنع مني شحاذا على الأبواب أو عبدا ممتهنا ولا يستطيع الإباق من سيده.

لم تحمني من تغوّل المؤسسات الخاصة التي أدمنت امتهان الكبار تستغل حاجتهم وتقصير الحكومة في إغنائهم عن البحث عن عمل آخر، فيمضي عمرنا لا نشعر بالدفء بين أبنائنا وفي أسرنا، تسرقنا ساعات العمل الطوال على الأبواب تنشف وجوهنا من برد الشتاء وبرد معاملتنا في الصيف..

وبعد كل هذا التعامل يحاولون الاحتفال في يوم يخصنا، يحتفل به غيرنا فيتكلمون فينا كثيرا ولا يعملون لنا شيئا، لا نريد كلاما نريد إجراءات تحمينا من الأيام العصيبة التي تطاردنا وتحاصرنا شيئا فشيئا والحكومة تنظر ولا تحرك ساكنا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد