صحيفة السوسنة الأردنية

إن الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع هي جلسة نقاش دارت بين مجموعة من الأشخاص حول الوضع العام للبلد وتطرقوا فيها لأمور السياسة كفوز اوباما والوضع في العراق وفلسطين ولبنان والى أمور الاقتصاد كأزمة البورصة المحلية والأزمة المالية العالمية ، والى الحياة الاجتماعية من تزايد جرائم القتل إلى المشاكل العشائرية إلى غيرها من المواضيع ، وبقيت ملتزما الصمت طلية هذه الجلسة و كنت أوزع الابتسامات على الحاضرين ظانين أني أوافقهم آرائهم ، وفي داخل نفسي أتذكر مقولة لأحد ( ختيارية ) أيام زمان عندما كان يقول إحنا العرب نفهم في كل شيء ، وها قد رأيت تطبيقا عمليا لمقولته ، المهم في الأمر إن الجميع لم يتفقوا على أي شيء ، ولم يرضوا عن أي شيء .

فنحن العرب كما قال نفس (الختيار ) اتفقنا على أن لا نتفق ، وما بعجبنا العجب ولا الصيام في رجب وسبب صمتي طيلة هذه الجلسة ليس رضا مني عن أرائهم كما كانوا يظنون بل اني لم أريد أن أعاكس التيار وكما قيل ( إذا انجن ربعك عقلك ما بنفعك ) ، فكان الصمت اسلم لي من سهام عيونهم وانتقاداتهم لي إذا خالفتهم الرأي وهذا ليس جبنا بل هي الحكمة لكي لا اخسرهم فهم الأهل والأصدقاء مهما خالفوني الرأي ووجهة النظر ، لكني في حقيقة الأمر لست راضيا عن وجهة نظرهم القائلة أن الوضع العام في هذا البلد يسير من سيء إلى أسوأ بل على العكس إن الوضع يسير من حسن إلى أحسن إذا قارناه بأوضاع الدول المحيطة بنا ، فالوضع الأمني في الأردن وبحمد الله نحسد عليه ، فنفخر ان لدينا عيون ساهرة في مختلف الأجهزة الأمنية لا تنام لتبقي الأردن واحة امن وأمان ، فالأردن ممر للمخدرات وليس مقرا لها وبالرغم من هذا فهو ليس ممر أمنا .

ومعدل الجريمة عندنا قليل بالنسبة إلى غيرنا بل ان نسبة الجرائم المكتشفة تفوق المتوقع ، وحوادث الإرهاب لا تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة ، و وعي الشعب الأردني وحسه الأمني جعل من كل مواطن رجل امن أما عن تعامل رجال الأمن فهو من أرقى ما يكون فاحترام حقوق المواطن وآدمية الإنسان هي عنوان عملهم مع عدم التأثير على الحزم الذي يجب ان يتحلى به رجال الأمن لفرض هيبة الدولة وسلطة القانون .

وعلى الصعيد الاقتصادي فان الأردن ليس بلد بتروليا وعلى الرغم من ذلك فان جهود جلالة الملك حفظه الله والحكومة الرشيدة في سبيل تأمين الدعم الاقتصادي لا تكاد تهدأ ، واكبر مثال على ذلك صدق الحكومة وتعاملها بكل شفافية مع مسألة المشتقات النفطية فقد أعلنت منذ البداية أنها إذا ارتفعت أسعار البترول عالميا سترفع الأسعار محليا وإذا انخفضت عالميا ستخفض الأسعار محليا ، وأقولها وبكل صراحة إن حوالي تسعة وتسعون بالمائة من الشعب الأردني لم يصدق هذا في بداية الأمر لأنه وبكل بساطة لم يتعودوا على أن ينزل سعر شيء إذا ارتفع ولم يمر عليهم مثل هذا الأمر من قبل فظنوا أن الحكومة تخدرهم وتهدئهم بهذه التصريحات وكانت المفاجأة عندما صدقت الحكومة في وعدها وخفضت أسعار المشتقات النفطية ، والحديد ، والأسمدة ، والقمح ، فأصبح المواطن الأردني يشك في نفسه هل هذا معقول وما الذي صار بالدنيا ، إحنا بحلم وإلا بعلم مما اكسب الحكومة مصداقية لدى الشارع الأردني وزاد ثقة جلالة الملك بها.

أما على صعيد السياسة الخارجية فالأردن ليس دولة كبرى مؤثرة فيمن حولها بل هو بلد صغير في المساحة قليل في عدد السكان محدود في الموارد ، يجب عليه أن يصارع ليبقى في الوسط ولا يضطر إلى أن يسبح في فلك أي دولة فيخسر بقية الدول ، فاختار سياسة الحياد وعلى الرغم من هذه السياسة إلا إنها لم تعجب بعض الأطراف الخارجية التي تريد أن تكسبه لصفها ، بسبب موقعه الجغرافي وتركيبته الديمغرافية ، فهو كالسفينة في بحر متلاطم الأمواج ولولا حنكة جلالة الملك لغرقت هذه السفينة فلا تطلبوا من بلدكم أكثر مما يتحمل .

في النهاية أقول إن التنظير وطرح المثاليات أمر سهل للغاية وخاصة إذا كان من أناس امتهنوا مهنة التنظير والنقد ، نظرتهم إلى الأمور نظرة جزئية لا تتعدى أنوفهم ، نظرياتهم لا تسمن ولا تغني من جوع ، لان البلد بحاجة إلى العمل وليس إلى التنظير ، فعامل نظافة يزيل قاذوراتنا لكي لا تخرج رائحتنا خير من ألف من منظر لا نستفيد منه سوى الكلام ، ورجل امن يحمينا من مجرم خير من متشدق بحقوق الإنسان ، وإذا اعتدي عليه ادعى بتقصير رجال الأمن في أداء واجباتهم ، فهو في كل الحالات منظر لا أكثر أيها الأردنيين بلدكم بحاجة إليكم ، كونوا عونا لربان السفينة على قيادتها في هذا البحر المتلاطم الأمواج ، ولا تكونوا عبئ يثقل هذه السفينة ويتسبب في غرقها ، لا تطلبوا من بلدكم أكثر مما يطيق ، وارضوا بما قسم الله لكم فالقناعة كنز لا يفنى احمدوا الله على نعمة الأمن والأمان والستر والعافية حفظ الله الأردن وقيادته الهاشمية من كل سوء ، وأعان صاحب الجلالة على قيادة هذه السفينة fd25_25@yahoo.com