مأساة معلم

mainThumb

25-11-2008 12:00 AM

في العقبة قد ينطبق الحديث على معظم معلمي المملكة ممن هم في القطاع الحكومي والقطاع الخاص على حد سواء, ولكن ولكوني من سكان مدينة العقبة ومنذ ثلاثين عاما فإنه من الواجب علي وكعرفانا بالجميل أن أخص مدينة العقبة –ولخصوصيتها أيضا- بتناول بعض جوانب المعاناة فيها.

إن من يعمل في مدينة العقبة ومن فئة الجامعيين حملة البكالوريوس وكذلك حملة الدبلوم في حقل التدريس – وليسامحني في قسوة التعبير- إن هو ألا جابي لا أكثر, وسأتناول في هذا المقال تحديدا المشاكل المادية التي تواجه المعلم في ثغر الأردن الباسم عروس الجنوب.

لن أتحدث في هذا المقال عن معضلات التعليم التي يواجهها المعلم من شللية وكولسات واعتداءات بالضرب وتهديده بالزعران وأصحاب السوابق والتهجم عليهم في مدارسهم وخرق حرمات المدارس وسبهم وانتظارهم على باب المدرسة وفي نظرهم أن المعلم القادم من اربد أو الكرك جاء خصيصا للانتقام من فلان وعلان لا ليحرق أصابعه شمعا لينير طريق المستقبل! .

إن الراتب سادتي الذي يتقاضاه المعلم وفي أحسن الأحوال- وبعد الزيادة الأخيرة- لا يتجاوز الثلاثمائة دينار وبخدمة تقارب العشر سنوات, وما أن يستلم المعلم– هذا الجندي المكافح- راتبه الضئيل والذي لا يسمن ولا يغني من جوع حتى تبدأ من جديد رحلة العذاب الفكري ويبدأون بالاستعانة بمعلمي الرياضيات لإجراء الحسبة حول الترتيبات المنوي إجراءها وبنسب رياضية محاولين معها السير للأمام ولو بخطى متعثرة, والذي ما أن يمر الأسبوع الأول من الشهر الجديد حتى يكتشف المعلم حقيقة سيره ليجد نفسه يسير للخلف وبخطى منتظمة وتبدأ ثانية رحلة مريرة طالما اعتادوا عليها وهي رحلة "تلبيس الطواقي".

إن هذا الجابي... عفوا المعلم يستلم راتبه بيمينه دفعة واحدة وتفرح عيناه بالخمسينات الست- بالرغم من قلتها- وتدفأ جيبه لساعات, وما أن يصل المنزل المستور حتى تبدأ حملة التوزيعات ويكون أولها أجرة الشقة " الأستوديو" والتي لن نخطأ إن أسميناها "علبة سردين" فمعظم الشقق لا تزيد مساحتها عن سبعين مترا, فيضع على الطاولة مائة وثلاثون دينارا (هذا إن كان من المستأجرين القدامى) أجرة الشقة ويضع بجانبها أيضا ثلاثون دينارا بدل فاتورة الكهرباء- والتي لن تكفيه في الأشهر القادمة بعد رفع سعر الكهرباء- ومبلغ عشرة دنانير بدل فاتورة الماء فيصبح الإجمالي مائة وسبعون دينارا.

يتنفس المعلم الصعداء ويأخذ قسطا يسيرا من الراحة ويعود لتوزيع ما بقي من الراتب فيضع أربعون دينارا على حدة أجرة السيارة التي توصله لمدرسته صباحا وتعيده لمنزله مساء ويضيف عليها عشرون دينارا أخرى بدل فاتورة الهاتف الخلوي على أقل تقدير فيصبح إجمالي ما اقتطعه لغاية الآن مائتان وثلاثون دينار هي شر لا بد منه ولا مجال للتوفير منها.

يتبقى لعماد الأمة ورسلها سبعون دينار أردنيا... ستكفيه مصروف بيته, من أكل وشرب ولباس وحليب أطفاله وعلاجهم وأدويتهم "لا قدر الله" ومصروفهم اليومي ومواصلاتهم ورسومهم المدرسية (الحكومية طبعا) وستكفيه أيضا لمشاركة الأهل والأقارب والأصدقاء مناسباتهم الاجتماعية والترفيه عن أبناءه في نهاية الأسبوع, مع العلم بأن ما ذكرت من اقتطاعات هي في حدها الأدنى وكأن المعلم- مع الاعتذار الشديد- كالنباتات الحرجية- يعيش بعلا طوال الشهر, فأقسم بالله أنني شاهدت ولمرات كثر أكثر من معلم يحدث نفسه وهو يسير في الشارع وغيرهم ممن يبيع على بسطة رصيف (مع أن العمل ليس بعيب), ونطلب منه أن يخلص في عمله وننتظر منه أن يخرج جيل المستقبل, فكيف له أن يخلص ويبدع ويعطي وهو بنفسه يفتقد لأدنى مقومات الحياة, وتعترف حكومتنا الرشيدة بأن من كان راتبه خمسماية دينار فهو تحت خط الفقر, مع العلم أن هذا التصريح كان قبل موجة الغلاء الأخيرة, وبالتالي فإن المعلم في الأردن وخصوصا في مدينة العقبة يستحق كأس القدرة والتحمل. سادتي ومن هم أصحاب القرار... لن يضيركم لو علقنا المعلم بقشة ورفعنا راتبه لستماية دينار شهريا وأوصلناه لخط الفقر ولنتركه يجلس على حافة الهاوية لا أن نساعده بالسقوط... ولنعتبره موظفا في مفوضية العقبة يتقاضى الألف دينار كحد أدنى وهو جالس في مكتبه يحتسي القهوة ويتصفح الإنترنت ولساعة وقوف وشرح واحدة للمعلم تعدل عمل عشرة موظفين في الشهر في دائرة ما!!!! .

تحياتي لك سيدي ومعلمي ورسولي وقلبي معكم ودعائي لكم بإنصافكم وإنقاذكم, وأطمئنكم بأن تطوير مدينة العقبة لن يتم إلا بتطويركم فتطوير البشر والجيل الجديد أهم بكثير من تطوير الحجر وتنظيف الشوارع.

ملاحظة: يرجى ممن يقرأ هذه المقالة طباعتها وتسليمها لمعالي الجندي الأردني حسني أبو غيدا وكلي قناعة بأنه كما كان وعهدناه أهلا لإنصافهم وتقديرهم.
 Ayman_alamro@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد