التعليم العالي في الميزان النيابي الحكومي

mainThumb

26-12-2008 12:00 AM

انتهى مجلس النواب الموقر وبمشاركة من الحكومة الرشيدة من مناقشة واقع التعليم العالي في المملكة والذي كثر اللغط والهمز واللمز حوله حتى وصفه بعض اعلامه من الاساتذة الاجلاء المتميزين بانه يحتضر , ولان التعليم العالي يمثل الهوية الحضارية للدولة وهو عنوان التقدم والرقي فيها واداة التطور فانني اود ان اتقدم بجزيل الشكر والامتنان لمجلس النواب الموقر والحكومة الرشيدة على هذه الوقفة وهذا الاهتمام.

انني كاكاديمي اضع بين يدي الحكومة والمجلس مجموعة من القضايا المفصلية الهامة والتي اتمنى على الحكومة والمجلس النيابي ان ياخذانها بعين الاعتبار قبيل صدور التشريعات الناظمة والمعدلة لواقع التعليم العالي والاقتراحات التي قد يصار الى تبنيها في هذا المجال.

ان اول الاشياء التي اعتقد بضرورة اجراءها تتمثل بضرورة اجراء تقويم ومراجعة شاملة لكل اطراف العملية التعليمية الرئيسية وما يتعلق بكل طرف منه من قضايا رئيسية.

ان التقويم الذي اتحدث عنه ليس كاساليب التقويم السابقة التي اعتدنا عليها والتي هي سبب ما آلت اليه حالة التعليم العالي الان. فقد كانت عمليات التقويم والمراجعات السابقة عمليات سطحية للاسف الشديد ولم تكشف حقيقة الخلل او تشخص تشخيصاً صادقاً مشكلات التعليم العالي بكل اطرافه ,فكانت كل الادوية التي صرفت والمبالغ الكبيرة التي انفقت والجهد الكبير المبذول هباءا منثورا ولم تقدم اي جديد, وعملت كالمسكنات الطبية على تخفيف الالم لفترة قصيرة وليس علاجه.

وهنا ارجو ان لا يفهم انني اقلل من جهد الاساتذة الافاضل او المؤسسات التي قامت بهذا الدور ولكني احاول ان اكون موضوعيا في التعامل مع نتائج هذا الجهد الكبير, اذ ان الاستاذ الاكاديمي يجب ان يكون خال من الهوى والتزلف, وليس اداة بيد اي اتجاه الا الاتجاه العلمي الاكاديمي الموضوعي .

يُعد الاستاذ الجامعي احد اهم اركان العملية التعليمية في كل المراحل ان لم يكن اهمها على الاطلاق فهو الميسر والمسهل للوصول الى المعرفة وهو القدوة والانموذج الحسن الذي يقتدى به ويتبع وهو المفكر والمبدع الذي يلتجاء اليه وقت الشدة وفي المهام الثقال وهو المصلح والموجه والمرشد والانسان.

ان الاستاذ الجامعي مفصل مهم من مفاصل التعليم العالي يجب ان يتم تاهيله واختياره بعناية و حرص شديدين ان لا تاخذنا في هذا الموضوع لومة لائم او اتباع هوى. لقد بداءت نسبة لا باس به من الاستاذة المتميزين في الجامعات بالهجرة الطوعية او القسرية احيانا ولاسباب كثيرة كما بداءت نسبة اخرى بالتراجع والتقهقر امام المد العريض الكبير من الجيل الجديد من حملة شهادات الدكتوراة والتي اجل واحترم كثيرا منها واخاف واحذر بشدة من كثيرا منها ايضاً.

فقد زادت نسبة من تحملهم الشهادات كثيرا كثيرا وقل من يحملونها ,واضحت الدرجة العلمية والعلم للوظيفة والراتب المرتفع والمكانة الاجتماعية وانخفض وتراجع مستوى العلم الخالص للعلم.

لقد استباح كثير من حملة الشهادات العلمية حمى العلم ودنسوه ونخروا في نعش التعليم وبثوا فيه اذى وسما كثيرا. ان التعليم العالي لا يمكن ان يقف على قدميه ويخطو نحو العلا بغير استاذ متميز وهنا اجد ان لا بد من الاشارة الى الواقع المعيشي المؤلم والمحزن لكثير من الاساتذة الجامعيين الذين يجب ان يحصلو على زيادة مجزية تمنعهم وتكفيهم وتحفظ كرامتهم وتكفل لهم حياة طيبة امنة مستقرة.

كما لا بد من التاكيد على ضرورة فتح باب الابتعاث امام الطلبة المتفوقين في مختلف التخصصات حتى تضمن كل جامعة من جامعات الوطن وجود كفاءات تدريسية متميزة تحمل راية العلم الخالص المخلص وتتوراثها جيلا بعد جيل.

اما وفيما يتعلق بالطالب اهم مخرجات النظام التعليمي فيؤسفني القول ومن واقع الخبرة الشخصية الحقيقية المريرة القول ان الطلبة في هذه الايام الا ما رحم ربي يفتقرون لابجديات القراءة والكتابة وابجديات الحياة الاجتماعية الناضجة كما ويعانون من الفقر المدقع في منظومتهم القيمية.

ان التعليم العالي يحب ان يبقى مفتوحا على مصراعيه امام الطلبة المتميزين وان يغلق باقفال لا تفتح ابدا امام الطلبة المتعثرين والضعفاء حتى لو دفعوا كاموال قارون.

ان مستقبل الامة والوطن لا يعقل ان يخضع لاعتبارات مالية رخيصة ولا يعقل ان ترسمه وتصنعه الدراهم والاستثناءات. واذا كان البعض قد يعتقد ان مثل هذا الاجراء قد يجعل ابناءنا الاعزاء يذهبون للدراسة في الخارج فاني اقول نعم قد يذهب البعض ولكن النسبة الاكبر ستبحث عن حلول اخرى مناسبة كالتوجه نحو التعلم المهني او غير كما ان مقدار ما قد يدفع من عملة اجنبية كما يحلو للبعض تسميته زهيد زهيد امام قيمعة وسمعة مستقبل الوطن.

كما اعتقد بضرورة رفع معدل القبول في الجامعات وفي كل التخصصات وخفض اعداد المقبولين ووقف القبول في بعض التخصصات بعد اجراء دراسات تقويمية حقيقية عليها, على ان يصاحب ذلك رفع للحد الادنى للمعدل التراكمي الجامعي وفي كل التخصصات وتغليظ العقوبات بحق مثيري وصانعي العنف الجامعي.

وفيما يتعلق ببعض الانظمة والتعليمات الجامعية المختلفة فارى انها بحاجة ملحة الى مراجعة شاملة ايضا خاصة تلك المتعلقة باختيار رئيس الجامعة والصلاحيات الممنوحة اليه حيث ارى ضرورة ان تجري هذه العملية بطريقة انتخابية ديمقراطية بحتة وان تكون صلاحيات الرئيس محدودة ومراقبة من قبل مجلس منتخب من الاساتذة.

كما ارى ضرورة تعديل وتصويب اجراءات الترقية للاساتذة, اذ ان الاجراءات المعمول بها الان في اغلب الجامعات الحكومية تقتل البحث العلمي الاكاديمي وتقزمه وتحقره وتجعل الاستاذ الجامعي يلهث خلف الترقية طمعا في بعض الدراهم او المواقع وتحوله عن الدور المأمول منه كما انها تعزز المحسوبية والنفاق والتخاذل.

وفي الختام ارجو الله تعالى, والتعليم العالي في ميزان المجلس النيابي والحكومة الرشيدة ان ترجح كفته على كل كفة لانها ان رجحت عدلت وصوبت كل شيئ خاصة وان التعليم العالي يحظى بدعم ملكي سامي.
 abdallahazzam@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد