الشعب الذي لا يُقهر

mainThumb

27-01-2008 12:00 AM

فجعت بنبأ رحيل وجه فلسطيني عربي مميز, ألهم اجيالا من المناضلين, هو الدكتور جورج حبش, هذه السطور مهداة الى روحه الطاهرة. كنا نسمع دوما بالجيش الذي لا يُقهر. انه جيش اسرائيل, خاض حروبا كثيرة مع الجيوش العربية النظامية, فكان النصر دوما حليفه. وذلك بفضل تفوقه عدة وعديدا. العرب هم الاوفر عددا بفارق كبير, مع ذلك فإن الجيش الاسرائيلي, عند اعلان حال التعبئة العامة, يغدو هو الراجح عديدا. اما التفوق التكنولوجي الذي يتمتع به الجيش الاسرائيلي فحاسم, وذلك بفضل ما يتزود به من الاسلحة والآليات والذخائر الاكثر تطورا في العالم, والتي تجود بها اعظم قوة في العالم, امريكا, على دولة العدوان في الشرق الاوسط, اسرائيل.

بقيت هذه سمة الجيش الاسرائيلي المميزة طوال سنوات, الى ان اهتزت صورة التفوق العسكري الصهيوني بتصاعد عمليات المقاومة في فلسطين ولبنان, فالقوة التي لا تُقهر لم تستطع القضاء على المقاومة الفلسطينية بعد نحو ستين سنة على قيام الكيان الصهيوني, فبقيت التنظيمات المقاومة تنشط داخل الارض المحتلة في عقر دار الاحتلال, لا بل حتى على تخوم عاصمة الكيان الغاصب.

تحت مطرقة المقاومة اضطرت قوات الاحتلال الاسرائيلية الى اخلاء بيروت, بعد احتلالها عام ,1982 والاتفاق المفروض فرضا بين الحكومة اللبنانية واسرائيل, اتفاق 17 ايار, سرعان ما سقط, وتحت مطرقة المقاومة اخلت قوات الاحتلال جنوب لبنان في 25 ايار عام 2000 من دون تفاوض ومن دون قيد او شرط باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

واخلى الاحتلال الصهيوني قطاع غزة في فلسطين من دون قيد او شرط عام 2007 ولو انه احكم حصاره على المدينة فحرم اهلها من ابسط مقومات العيش اذ قطع عنها الكهرباء والماء والرغيف وسائر المواد الغذائية.

وشنت اسرائيل حربا شاملة على لبنان في صيف العام ,2006 فكان ان صمدت المقاومة في وجهها صمودا اسطوريا وانتهت الحرب بعد 33 يوما حيث بدأت والقتال يدور على تخوم القرى والبلدات الحدودية, وعجز الجيش الذي لا يُقهر عن تسجيل تقدم على الرغم من استماتته لاحتلال موقع على خط الليطاني. كانت الخسائر التي مُني بها لبنان هائلة, بما وقع من ضحايا بين الآمنين الابرياء, وما كان من تهجير للناس بلغ ما يناهز ربع مجموع الشعب اللبناني, وما حل من خراب ودمار في المرافق والممتلكات, الثمن كان غاليا, ولكن النصر, بصمود المقاومة, كان ناجزا مبينا. واي نصر يمكن ان يتحقق, حتى في الحروب العالمية, من دون ثمن?

هكذا بان لكل ذي عين ترى ان الجيش الذي لا يُقهر معرض للهزيمة ليس في مواجهة جيوش نظامية وانما في مقارعة المقاومة الشعبية, كشفت المقاومة مواطن الضعف في الجيش الاسرائيلي فتبددت صورة الجيش الذي لا يُقهر, وظهر جليا ان الشعب المقاوم هو الذي لا يُقهر. شعب لبنان لم يُقهر, وكذلك شعب فلسطين المناضل.

مشهد غزة كان ثوريا, اذ احكم العدو الغاشم الحصار من حولها وشدّ على خناقها, فحرمها من كل مقومات الحياة, ولو استطاع ان يمنع عنها الهواء لفعل, فإذا بالشعب الحي ينتفض ويحطم جدار الفصل عن ارض مصر العربية, متحديا قوات الامن التي عززتها السلطة المصرية للحؤول دون اختراق الحدود. فأسقط في يد السلطة الصهيونية, وفي يد الادارة الامريكية التي تدعم الاحتلال وتغض الطرف عن هتك القيم التي تتشدق بها الدولة العظمى زورا, اذ تنادي بالحرية والديمقراطية والعدالة وسائر حقوق الانسان, فإذا بها تندد باختراق الحدود ممن يتضور جوعا.

هكذا يجد العالم نفسه امام مشهد جديد, مشهد الشعب الذي لا يُقهر, وافول نجم الجيش الذي كان يقال انه لا يُقهر, فإذا بإسرائيل للمرة الاولى في تاريخها ترهب الاقدام على حروب تشنها على جيرانها العرب, فهي باتت تحسب الف حساب قبل القيام بعدوان جديد, فلم يعد تفوقها العسكري على الجيوش العربية النظامية مطيتها للنصر المُحتم, بعد ان قلبت المقاومة معطيات الصراع, فالتفوق التكنولوجي الحربي لم يعد هو الذي يتحكم بمسار الصراع ببروز القنابل البشرية, ودروع الايمان, واسلحة البناء والتضحية بالنفوس والارواح, ومنعة الكرامة والاباء, وكلها من عتاد المقاومة وذخائرها.

كان مشهد غزة في شتاء عام 2008 مشهد الشعب الذي لا يُقهر, ولسوف يسجل التاريخ ان هذا المشهد, كما كان مشهد الجنوب اللبناني في صيف العام ,2006 مفصلا في مسار الصراع العربي الاسرائيلي, لا بل نقطة تحول في حياة الكيان الصهيوني.

اسرائيل ولدت وعاشت ونمت وازدهرت على دفق الهجرة البشرية ودفق الاموال اليها على وقع رهانات عمياء على منعتها وتفوقها, رأسمال اسرائيل كان استقرارها, منعتها, قوتها, وتاليا اطمئنان يهود العالم الى مستقبلها, وكذلك ثقة المراهنين عليها مدخلا لاقتحام المنطقة العربية واستغلال مواردها وتسخيرها في خدمة مآرب ومطامع لا حصر لها, فإذا بالمقاومة العربية تحطم هذه الصورة والاسطورة فلم يعد مستبعدا ان ينقلب التيار الى عكسه, فيرجح الدفق البشري والمالي الخارج من اسرائيل على الدفق الوافد اليها, بذلك يتناقص الاوكسجين في الهواء الذي يتنفسه الكيان الغاصب, فهل يكون في ذلك بداية النهاية للوطن الحصين?

وهل يكون في ذلك انعاش لعزيمة العرب في التمسك بالحقوق القومية في الوطن السليب? هل نعود الى المناداة بفلسطين واحدة, يعيش فيها العربي الى جانب اليهودي بسلام ويعود اليها اللاجئون الفلسطينيون كافة بموجب قرار الامم المتحدة 194? هل ينبعث حلم التحرير مجددا فيحل محل مشاريع التسوية الركيكة?.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد