صحيفة السوسنة الأردنية

لم يفاجىء مقتل بنازير بوتو أحدا ، فهي نفسها توقعت موتها ، وأنذرت به بأحاديث أجرتها ورسائل ارسلتها منذ عودتها الى باكستان ، واشارت ايضا الى من سيكون مسؤولا عن القتل هو الرئيس مشرف.

إن عودة رئيسة حكومة باكستان السابقة الى بلدها والتخطيط لانتخابها من جديد بادر اليها وخطط لها ونفذتها الادارة الاميركية ، التي استقر رأيها على ان هذا الاجراء هو الدواء الصحيح لامراض الدولة ، التي دفعت الى طائفة من الازمات الداخلية ، والدستورية وغيرها.

هذا الفشل الاميركي هو الثالث من نوعه في السنوات الاخيرة ، فمع انقضاء حرب العراق واسقاط صدام حسين أرادت الولايات المتحدة انشاء نظام جديد في العراق ، وأن تخول الاكثرية الشيعية سيطرة فاعلة على الدولة بمشاركة الاقلية الكردية ، وخصص للاقلية السنية التي حكمته حتى ذلك الحين مكان ثانوي في السلطة.

الاخفاق الاميركي الثاني هو اضطرار اسرائيل الى تمكين حماس من المشاركة في الانتخابات العامة في السلطة الفلسطينية في بداية 2006 ، فقد فاجأ فوز حماس الاميركيين الذين أعلنوا في الفترة الاخيرة "الحرب" على حماس ، وفي الحقيقة المنظمة تتلقى ضربات شديدة من اسرائيل ، لكن المتفائلين ايضا في جهاز الامن لا يتوقعون القضاء على الحركة في المعركة الحالية.

وفي ميزان المصالح بين الولايات المتحدة وايران مكان رئيس للامثلة الثلاثة - الباكستاني ، والعراقي والفلسطيني - ويجب ان يضاف اليها افغانستان ايضا: فمحاربة الولايات المتحدة وحلف الناتو لطالبان هنالك تدخل عامها السابع ولا يوجد حسم.

في حلبة باكستان وحلبة افغانستان المجاورة لها ، يوجد وزن خاص لايران ، فللولايات المتحدة وايران مصالح متقاربة جدا في هاتين الحلبتين ، وقد توثقان التعاون بينهما ، لمنع انهيار الحكم في هاتين الدولتين ، وموت بوتو سيعجل هذا الاتجاه ، وفي العراق تسهم ايران اسهاما كبيرا مهما في خفض مستوى العنف ، ويقول ناطقون اميركيون ذلك علنا ويثنون على طهران.

يبدو على نحو واضح ان جدول العمل المشترك لايران والولايات المتحدة آخذ في الاستطالة ، مقابل ازدياد المواجهة بينهما في شأن برنامج طهران النووي.

في الفترة القريبة ستعلو في واشنطن الاصوات التي تدعو الى التحادث المباشر مع ايران في جملة موضوعات ، كما إن تحسس محادثة السعودية ومصر لايران في الاسابيع الاخيرة يلمح للرئيس بوش بان الائتلاف الدولي المعادي لاحمدي نجاد بدأ يعاني ضعفا ببعض مركباته الحيوية ، وبين الدول العربية المعتدلة خاصة ، وهذا ايضا سبب جيد للبحث من جديد عن السياسة العامة للولايات المتحدة نحو ايران.

لا تبشر هذه التطورات اسرائيل بالخير ، وينبغي ان نأمل بان يبحث قادة الدولة في الحكمة باستمرار المواجهة التي لا هوادة فيها لحماس ، هذا آخر موضوع اخطأت فيه الولايات المتحدة تقدير الوضع ، وكما عرفت ان تغير سياستها من النقيض الى النقيض في العراق عندما تبين لها خطؤها ، فينبغي ان نأمل بان تنظر من جديد في ملف حماس ايضا ، فاذا كانت حماس ناضجة لهدنة طويلة الأجل ، فانه ربما يحسن استنفاد هذا الخيار قبل الاستمرار في المسار الحالي للحرب غير المشروطة.

إن مقتل بوتو يثبت ان الحلول التي تطبخ في الولايات المتحدة لمشكلات دول بعيدة ، واسلامية خاصة ، يفشل بعضها الواحد تلو الآخر ، ولم يبق وقت طويل لتغيير الاتجاه نحو غزة ، فالتحدي موضوع على أبوابنا هنا والآن ، أليس هذا اول موضوع يجب ان يدرج على جدول عمل الرئيس بوش ورئيس الحكومة اولمرت في لقائهما القريب؟

- رئيس الموساد سابقا