عام على الأضحية/ صدام: قراءة متأنية

mainThumb

21-12-2007 12:00 AM

مع حلول عيد الأضحى المبارك يكون قد مر على نهاية صدام حسين عام هجري كامل، في نهاية أقرب إلى نهاية حلقة من حلقات دراما تلفزيونية جاوزت الثلاثين عاماً.
هي في الأصل قصة رجل حكم العراق في يوم من الأيام بنوع من الدكتاتورية التي لم يستطع حتى المتعاطفون مع نهايته الدرامية أن ينكروها، كونها أكبر بكثير من أن تنكر أو يشكك في صحتها.

تلك النهاية التي مني بها صدام حسين العام الماضي والطريقة التي كانت عليها (التضحية) أعادت إلى الأذهان مأساة أمة كاملة متمثلة بالنهاية التي مني بها قبله الجعد بن درهم في الدولة الأموية (ضحوا فإني مضح بالجعد بن درهم) مما يعني أن الفكر العربي، والسياسي منه بالذات، ما يزال له امتداده في الوجدان والمخيال العربي، أي أنه لا يوجد تطور في الذهنية العربية منذ ذلك الوقت إلا في بعض الطرق والأساليب، في حين أن البنية التي تتعامل معها تلك الذهنية مازالت هي منذ ذلك التاريخ.

نهاية صدام كانت - في رأيي - تختصر الذهنية العربية، وتضعها لك في قالب من نحاس، لأنها لا ترقى إلى أن توضع في قوالب من ذهب. تلك الثلاثين سنة ما بين مدها وجزرها هي نفسها مد وجزر عالمنا العربي، بكل تقاطعاته المعرفية والسياسية وحتى الوجدانية، فليست نهاية صدام هي نهاية لرجل حكم في فترة الضعف العربي وحسب، بل هي هزيمة وجدانية وسياسية للرجل العربي، كما أن الطريقة "البطولية" التي واجه بها صدام نهايته أرضت بعض الغرور العربي، وهو الغرور الذي تدغدغ مشاعره ملاحم الشجاعة والبطولة المتخيلة فما بالك إذا تجسدت مثل هذه الملاحم على أرض الواقع في شخصية أصبحت أسطورية الطابع قبل وبعد النهاية، فالذين سحروا بشجاعة صدام في مواجهة الموت، نسوا المهانة التي خرج بها يوم قبض عليه حينما كان مختبئاً في قبوه المشهور إلى درجة أن كثيراً من الناس أنكروا أنه صدام نفسه وإنما هو مجرد شبيه، في محاولة لخداع الذات لإبقاء التوازن النفسي إلى فترة.

الذهنية العربية ذهنية عاشت طويلا على قصائد الفخر والمديح، وحينما تأتي مثل نهاية صدام فإنه من الصعب جداً على مثل هذه الذهنية التي ترتبت على تلك القصائد أن ترضى بالهزيمة حتى وإن كانت هذه الهزيمة من الهزائم القواصم كهزيمة 67 مثلا، ولذلك أسموها بالنكسة وليس الهزيمة، في محاولة لتطبيب الجرح ليس إلا.

حتى بعد عام كامل ما يزال البعض في نفس الشعور الأول تجاه صدام بعد نهايته الدرامية حتى اختصر صدام فقط في تلك اللحظة وكأن ثلاثين سنة لا تساوي شيئاً عند تلك الدقائق، لكن من القراءة المتأنية والبسيطة يمكن لنا أن نخرج بما يلي:
1- العقل العربي عقل استنساخي حتى من الأشياء التي يرفضها، هو يستنسخها بشكل آخر، فالطريقة التي تمت بها التضحية بصدام كان لها طابعها الرمزي تماماً كما هو الطابع الرمزي في التضحية بالجعد بن درهم، ذلك أن العقلية المحركة للاثنين من منفذي التضحية كانت واحدة مهما اختلفت المرجعيات الفكرية والدينية. فقط السلطة هي من تمنح التنفيذ لهذا أو ذاك.

2ـ سقوط صدام أو سقوط الرمزية التي يحملها صدام في دكتاتوريته لم تكن فيه نهاية المأساة العراقية، ذلك أن المأساة العراقية لا يمكنها أن تكون ضحية فرد مثل صدام. المأساة العراقية هي مأساة عربية قبل أن تكون عراقية. مأساة الفكر العربي والسلطة العربية ولذلك ما إن سقطت دكتاتورية صدام حتى تم استنساخ دكتاتوريات أخرى من الفصائل المتناحرة بلا استثناء مذهب، أو أيديولوجيا فالكل مشارك بهذه المأساة، والمستفيد الأخير هي السياسة الأمريكية التي يدعي هؤلاء مقاومتها. صدام نفسه صناعة فكر عربي كما أصبح ضحيته في الأخير، وهذا مصيرنا كعرب وليس مصير صدام. نهايتنا العربية وهزائمنا هي نهاية صدام وهزيمته. نحن نرى أنفسنا في ذات صدام، كوننا نقدم على الموت ببطولة صدام حينما أقبل إلى حبل المشنقة ولذلك كان من الطبيعي أن يتناسى كثير من الناس ما كان عليه صدام قبل لحظة هذه البطولة.

3ـ القربان البشري مازال في البشرية يسري في المضمر السلوكي لدى الإنسان، ولم تنفع كافة السبل لاستبدال القربان البشري بقربان حيواني، والمتمثل في قصة إسماعيل عليه السلام وافتدائه بالكبش والتي تذكرها كل الأديان السماوية الثلاث. البشرية ما تزال تحن لماضيها السحيق وبدائيتها المتمثلة في تقديم القرابين البشرية باسم الاستشفاء أو الانتقام أو الإقدام أو التضحية والاستشهاد. فحينما تم تقديم صدام كقربان بشري يوم الضحية كان العراق كاملاً يقدم قرابين استشهادية في عمليات انتحارية من هنا أو هنا ضد بعضهم البعض، فشهوة الإنسان للقتل لم يكفها تقديم قرابين دينية من أضاح أو أكباش تقدم بالآلاف في يوم الأضحية، مما يعني أن تمثل الرمزية في هذه الأضاحي لم يؤتِ ثماره على مستوى البشرية جمعاء وليس لدينا فقط كعرب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد