دير بالك!!!

mainThumb

02-02-2009 12:00 AM

كما يقال (الله يرحم أيام زمان)،تلك الأيام التي كانت تحمل في طياتها كل معاني البركة والبساطة والنقاء،تلك الايام التي عشنا فيها مع أناس مازالت ذكرياتهم راسخة في عقولنا وقلوبنا وأرواحنا،تلك الأيام التي غادرت بحلوها ومرها دون استئذان لتفتح الطريق لأيام أخرى لم يكن لها عنوانا في مجملها إلا الأسى والقهر والتشاؤم.

أذكر أنني كنت أسمع كلمة باستمرار،تلك الكلمة التي تعني لي الكثير، فكنت أسمعها من أناس كانوا وما زالوا يعنون لي كل معاني الطيب والحنان،فمنهم من غادر تلك الدنيا الفانية ومنهم من لم يزل يشتم هواء تلك الدنيا المضطربة،تلك الكلمة التي كنت أسمعها كان مضمونها وعنوانها (دير بالك).

(دير بالك) :كلمة سمعتها كثيرا وكثيرا ممن كانوا يعنون لي الكثير،أذكر أن جدتي رحمها الله وتغمدها بواسع رحمته كانت بكل لحظة تراني بها تقول لي(دير بالك)،أذكر أنه عندما تحصلت على قبول في الجامعة وبعد أن قبّلتني على وجنتي فرحا وانتشاء بقبولي قالت لي في تلك اللحظات:(دير بالك ياجده على حالك ولا تلاحق الهمل ولا الهمالة)، فمازالت تلك الوصية راسخة في عقلي إلى الان، وحتى أنها كانت رحمها الله عندما تراني بجانبها في بيتها بقرب وسادتها وأمام (دلّتها) أشرب قهوتها العربية الأصيلة كانت تردد وتقول لي باستمرار:(دير بالك ياجده تقطع صلاتك أو يروح عليك فرض) وبالفعل أيضا بقيت وصيتها راسخة في عقلي وقلبي وروحي حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

عموما غادرت تلك الحجة(البركة) تلك الدنيا وأخذت معها كل ماهو طيب وطاهر ليختبيء معها تحت ذلك الثرى الطيب،حتى أن كلمة (دير بالك) والتي كانت تخرج منها بكل طيب وبركة غادرت معها لتستقر بجانبها تحت تلك التربة الواقعة في الجهة الجنوبية الغربية من مقبرة مدينة القصر.

وهانحن في ذلك الوقت الغريب أصبحنا نسمع (دير بالك) من نوع آخر،رأينا من يوصينا ويقول لنا (دير بالك عبلادك) مع أننا لسنا بحاجة لمن يوصينا ببلدنا ووطننا فعشق الوطن رضعناه مع حليب أمهاتنا منذ أن كنا في (المهد) وسيبقى ذلك العشق إلى أن نصل (اللحد).

فتلك الوصية لا اظنها تحمل في طياتها البركة والطيب والنقاء كما كنت أسمعها في الماضي ممن غادرت تلك الدنيا،لأن تلك الوصية في الماضي لم تكن بمقابل ولكنها كانت خوفا وقلقا وحبا، أما الان فأصبحت (دير بالك) بمقابل بمعنى أن من يوصي بها يقبض ثمن تلك الوصية قبل أن يخرجها من فمه،فنحن ربما أننا بحاجة إلى من يوصينا على أنفسنا وأبنائنا وأرواحنا،ولكن لا أظن أننا بحاجة إلى من يوصينا على أوطاننا لأن الوطن أغلى من الروح والنفس والولد.
muath_majali@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد