جبريل الرجوب : و(نعم حنـّا اردنية)

mainThumb

02-02-2009 12:00 AM

حلفت عمتي العجوز بـ (عقصتها )* البيضاء النحيلة ، حين سمعت باستهزاء جبريل الرجوب بالأردنيين ، والتقليل من دورهم وشأنهم ، وأقسمت برأس والدها ، الذي لا تحلف به إلا لعظائم الأمور، إن رأت هذا المتعرّب الغريب أن تضرب رأسه بـ (باكورها) .

ورفعت يدها ــ بعظمها وعروقها ــ ولوحت بها ، وتمتمت بكلام عجزت عن سماعه !!! ... وفجأة ، تربعت على جبهتها خطوط طولية ، أحسست أنها بعدد سني عمرها ، وأحمرّ وجهها الأسمر، وانتفخت أوداجها ، ثم ما لبثت أن انهمر دمعها ، وبكت ، بكت العجوز بحرقة وألم ، وسال الدمع من عينين صغيرتين ، سرقت الليالي رموشها ، وسلبتها الأيام بريقها ، وضيقت الأحزان وهزائم الخلان حدودها ، سال الدمع بحارات وجهها المتعرجة وشوارعها ، وقفز فوق المطبات التي خلقها تعاقب الأيام ، وتجاوز لوحة زرقاء مطفأة ، مرسومة على صفحة وجهها .

انتفضت العجوز بـ (دامرها) المضمـّخ برائحة الزعتر والقيصوم ، والذي شهد معها كل غزواتها لغربيّ النهر، لزيارة زوجها هناك ، وهو يرابط على ثرى فلسطين، جنديا في الجيش العربي ، ذاك الدامر الذي كان مثار الضحك والاستهزاء ، من جميلات نابلس ، وشقراوات يافا . : جاءت البدوية !!! . ارتعدت العجوز وارتجفت ، حتى أحسست بالخوف عليها . ثم ما لبثت أن مسحت دمعها بطرف شماغها الأحمر القاني ، عنوان أصالتها . وغابت مع ذاكرة شاخت ، هناك حيث الأربعينيات من القرن الماضي ، توحدت في الذاكرة مع الشهداء من أبناء عمومتها ، في سمخ وباب الواد واللطرون ، هناك حين تنقلت مع زوجها الجندي الأردني ، من العفولة إلى شعفاط ، ومخيم بلاطة ، ورام الله ، وجنين ... (جاءت البدوية ) .

عبارة دهمت الذاكرة المتعبة كالحمى، ستون عام ، ماتت هذه العبارة أو كادت . ثم جاء جبريل لا كالوحي ، بل كالشيطان ليوقظها ، هذا الناكر للدماء الصافية الزكية ، دماء رجال درجوا في سفوح البلقاء ، وهضاب الكرك ومعان والطفيلة ، وتشربوا النبل والشرف في حوران ، وتعبوا في دروب جرش وعجلون .

_________

العقصة: جديلة شعر العجوز



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد