ح?Zيْرة

mainThumb

04-02-2009 12:00 AM

في زحمة الطوفان ،وزوبعة العمر ،ونقاش من تراث قديم ،ومجلس من قشّ لا حرير ،وتشعّب ليس له مثيل من أجواء سياسية وفضاء اقتصادي عجيب ومظاهر اجتماعية تبعث إلى الجنون -يفتش المرء عن ذاته ،عن خلجات وجدانه ،يصنع أشياء وأشياء تصنعه ،يحاول فقدان الذاكرة ،بل تفقده الذاكرة نفسها ،يدور بفكره كما عجلة الزمان تدور ولا جدوى ،يهمس في أذن الليل وفي أذن الصباح يصرخ باحثا عن شيء مفقود ولا جدوى ،سوى النوم في محيط النوم،سوى الظلمة تعلوها ظلمة ،أيُّ صراع هذا الذي نعيش وأي تفتيش هذا الذي يقودنا إلى فراغ .

نختلق الحزن كي نحزن ،نبحث في أستار النافذة عن فكرة بل ومعضلة تغوص بما نفكر فلا نرى سوى الشرود والذهول ،فلا راحة بالٍ تمضي معنا ،لا راحة بالٍ تدلّنا من أين نبدأ ،ولا من أين ننتهي ،هل المرء بحاجة إلى خلود من سباد عميق كي يشعر أن الحياة قد نبتت في روحه ،أم بحاجة إلى فكر معطّل كي يحسن التفكير فيما هو قادر على تشغيل هذا الفكر ،فيُخلق لحياة لا ح?Zيْرة فيها .

الحيرة قصيدة جاهلية صحراويّة ملأى بالأطلال ،والمحبوبة ظعينة رحلت في كلّ الأمصار ،والشاعر وهم من طيف ووهم من خيال ،قد غادره كلّ الناس وتركوا له تمثالا من عزلة أبديّه ،كي يقرأ كلّ الناس الذين رحلوا على مهل ،ويبحث عن طريفة مثلى لتقييم البشر في فضائه المعتم ،ويصنع قيما للأخلاق من جديد ،فلا يجد لغة يخطّ بها أفكاره ولا فكرا قادرا على التخزين و تمييز ما هو نافع منها وما هو ضار ليعود ثانية للبحث عن قصيدة جديدة من جديد يتيه فيها .

الحيرة لعبة الحظ ولعبة المصير ،ولا أحد منّا يحسن تقدير المجهول ،لا أحد منّا يصنع المستقبل بيديه حتى يفكر بما هو ماضٍ وبما هو حاصل وبما هو قادم ،فنحن على مقربة من الموت نسير ،أيّ عبثيّة هذه التي نعيش ،وأيّ لعبة تلك التي حصّنا فيها أنفسنا وأوراقها ضباب من بياض داكن.

الحيرة خليط من ألوانه شيطانيّة ،تلعب معك وترتع ،فتفرحك بزهوتها أحيانا وتغرقك في غياهب الجبّ أخرى فلا نرى من يقول يا بشرى هذا غلام ،ولا تجد من اشتراه بثمن بخس دراهم معدودة ،فما من قميص يرجع إلينا البصر ،ولا وجه موجود حتى نلقي عليه رائحتنا الملطخة بالحيرة .والأبواب مؤصدة ولا مكرمة لديك حتى ترى برهان ربك .

الحيرة جدول من معاكسات وفوازير هو للضرب وأنت بلا ريب المضروب وللقسمة وأنت المقسوم بك وعليك وللتنقيص من وزنك ومن قدْرك ومن هيبتك ومن مشاعرك الإنسانيّة ، وللزيادة من حيْرتك ومن ذهولك اللامعقول .

قد قررت قبل اليوم أن لا أعيش الحيرة وأن لا أغذيها وأن لا تصادقني فلا أصادقها ،قررت العزلة من عالم الحيرة ،لكن حياة مثل حياتنا وظواهر مثل عجائبنا التي تحدث هذه الأيام تفرّخ لك أفراخا من حيرة ،فتغمسك بعالمها من جديد ،فأنا في حيرة كيف سأتخلص من الحيرة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد