من جذور العصامية

mainThumb

11-02-2009 12:00 AM

 إستطاعت الوالدة ، أطال الله عمرها، أن توفر مبلغا من المال (بضعة دنانير)، من موازنة المصروف اليومي ، ليكون دفعة مقدمة لشراء قطعة ارض تمهيدا لبناء بيت للأسرة بدل إستمرار السكن في بيت مستأجر، وعلمت فيما بعد بأن تنكة زيت زيتون وبعض الديوك ! كان جزءا من تلك الدفعة المقدمة أي على أساس المقايضة)، لقد كان حزننا على الديوك شديدا بسبب الألفة التي كانت بيننا وبينهم، لقد كانت المشاعر حساسة ومرهفة وصادقة حتى تجاه الديوك والدجاجات والصيصان في ذلك الوقت، فكيف كانت تجاه الجيران والاهل ( معظم جيراننا الحاليين جننونا برمي الزبالة أمام العمارة، وبإستخدام الزامور في منتصف ألليل مع أنهم يستخدمون الموبايل – الهاتف المحمول ... هل الزامور نوع من الغزل أم ألإعلان عن شيئ ؟ لا أحد يدري)؟! ، وقد رفضت مسك الديكة لتسليمها للمشتري!، أما شعور الدجاجات فلم يعار أي إهتمام من احد في تلك الحالات بالتأكيد! .
 الارض التي تم التفاوض بشأن شراءها كانت تبعد بمقدار مسافة السير الآدمي على الاقدام لمدة ساعة عن البيت الذي كنا نسكنه فقط!، كانت الارض تقع على بطن جبل موحش تسكنه أشياء كثيرة عرفت منها الواويات والكلاب وبعض الحمير الشاردة أو الهائمة وجميع أفاعي وعقارب وجراذين وجنادب وسحالي وأشواك وصخورمعظم عمان. كانت نقطة إلتقاء لربما ! ، وقد شيّد على الجبل سبعة بيوت متواضعة حتى عام 1962 ، وقت شراءنا قطعة الارض.
كلمة بيوت متواضعة تعني أن شبابيك البيت مغطاة بقطعة قماش كبيرة، والباب عبارة عن قطعة صفيح مستطيلة غير محصنة.... والجدران بعضها فقط مقصور ليس بسبب الديكور بل لأسباب إقتصادية بحتة، والأرضية عبارة عن إسمنت مخلوط مع تراب ناعم و تدعى (مــدّة.. أي أرض ممدودة)، في تلك الفترة لم تذكر كلمة بلاط أو رخام أمامي بالمرة ، ورغم ذلك البذخ والإكسسوارات ! في طريقة العمارة فقد كان الناس يباركوا بحرارة منقطعة النظير وبصدق أكيد ... أذكر أن الجارات كن يباركن لبعضهن البعض إذا تم تركيب حبل نشر غسيل طويل وجديد، فكيف إذا ما بني بيت (غرفة مع حمام) !!!!. ويكتفي المباركون بشرب كاسة شاي (مذاقه حلو جدا جدا) على الاكثر تعبيرا عن منتهى الضيافة في ذلك الحين ليس بخلا وإنما علــى أساس " على قد لحافك مد رجليك".... لقد تعمد الناس في ذلك الوقت إستخدام الادوات رخيصة الثمن للحمـــام ألأوحد مثلا ..! لتأمين مبلغ لشراء .... حمار!. كان المهم دائما وظيفة الشيئ أكثر من شكله ! أمضينا جميعنا وقتا طويلا في الذهاب الى الارض لمساعدة جدّي، يرحمه الله، في حفر البئر ،وتقطيع الصخور والحجارة بالمهدّة !، وتمهيد قطعة الأرض (لأبو خديجة)، معلم البناء يرحمه الله، ليبدأ في حفر الأساسات، وقد كنا نحمل معنا الأكل والماء الكافي لعدة ساعات، وكنا نترك الماء في الزير ليبرد... ما أعذب مذاق ماء الزير!. مشكلة أبو خديجة أنه لم يستعمل المتر في القياسات لإرتفاع ثمنه في ذلك الوقت، وقد إعتمد في القياسات خيط قنّب متين لازمه في عمله الى أن توفاه الله. لقد أثرت القياسات بإستخدام ذلك الخيط على شكل البناء المكون من غرفة واحدة بالطبع! فجميع الجدران كانت مقاساتها مختلفة أي أن الغرفة لم تكن تشبه شكل المربع أو المستطيل على أية حـــال ...! وقد كان إنتقاد الناس يشمل أن الإنحراف أو الخطأ في القياسات غير ملحوظ أو غير مهم!. مرحلة بناء البيت، وحفر البئر شهدت إصابات وضربات عديدة في ايدي وأرجل وأصابع كل أفراد الاسرة من صغيرها وحتى كبيرها، وكنا نستخدم القهوة في وقــــف أي نزيف( شديد فقط)، حيث لم يكن ممكنا إستخدام القهوة للضربات الخفيفة حيث كانت تعالج باللف بأية قطعة قماش متوفرة شريطة عدم التعقيم بالطبع !. كنت دائما أرجو أمي، أطال الله عمرها، أن تحدثني عن يوم ولادتي أنا بالتحديد، لا أدري لماذا ! . ولما كبرت ،عرفت أن في السرد معان سامية عظيمة فقدناها الآن، وكأن المحرّك فيّ كان يتلذذ في سماع السرد عن الأشياء المفقودة


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد