نموت وتحيا البندورة

mainThumb

15-04-2009 12:00 AM

طوال فترة خدمتي في بيت والدي وأنا اقسم أن البندورة والزيت والزعتر (الدقة) ، لم تفارق ثلاجتنا لا صيفا ولا شتاءً ، فهما العنصر الرئيس بجانب حنفية الماء ، وكان المسمى يختلف باختلاف الوجبة ، أحيانا يكون زيت وزعتر وأحيانا زعتر لوحده وأحيانا زيت لوحده ، أما البندورة فتعددت الأوجه التي تستخدم فيها ، فتكون وجبة غذائية كاملة الدسم وكأنها تحوي على جميع العناصر الغذائية ، تبدأ من الأكل المباشر بعد أن تمسكها من جانب وتلفها بشكل دائري يتناسب مع عقارب الساعة ، ثم تمسحها بطرف القميص أو البنطلون ، وتبدأ أول قضمه وعندها عليك أن تغمض عيناك وتعيش لحظات ساحرة كما في دعاية الشوكلاتة ، أنت تتلذذ بها، وتلوكها بين أسنانك ثم تفتح عيناك مرة أخرى لتعيد القضمة مرات ومرات وقد يصاحب تلك القضمة اندفاع عصارة البندورة خارجاً وكأنك أصبت قلبها وخدشت احد الروافد ، قد تقضي على الحبة الأولى وتشتهي الثانية فما تلبث إلا أن تضيف شيئا من الملح لمزيد من الإثارة .

وهناك وجه آخر أكثر شيوعاً وأسرع إنجازاً وهو ما يعرف "بقلاية البندورة" وهي أيضا كانت وجبة رئيسة على موائدنا فبثومها وبصلها وزيتها وأحيانا (فليفلتها) تكون خلطة مميزه قد تدمن عليها ولا تحتاج لسؤال الأهل عن وجبة اليوم فهي معروفة ضمناً ...... ومن استخداماتها أيضا نظام "الفعص" ، وهي طريقة كانت شائعة قبل اختراع الخلاط وبسبب عدم المقدرة على شراء "رب البندورة" جاهزا من السوق كانت الأم تلجأ لاختيار الحبات الأكثر ذوبانا "فتفعصها" بقوة لتخرج مائها مكررة العملية عدة مرات فيكون الناتج عصير البندورة ، والذي يوجه للاستخدام مع الفاصوليا أو الباميا ، عندما يكون هنالك تغيير في وجبة البندورة ، وأيضا تضاف لطبق السلطة الذي يعتبر رفاهية لحاجته "للخيار" والليمون والبقدونس .... كانت البندورة بالنسبة للشعب الأردني هي المحرك الأساسي تماما كما هو حال الأرز في دول الخليج العربي والفول في مصر ، فان البندورة هي شعار الكثير من البيوت الأردنية وهي الداء والدواء وهي الغذاء الذي لا غنى عنه ، وأكاد اقسم أنني في فترة من فترات حياتنا كانت نسبة البندورة في الدم أكثر من الأكسجين والبلازما ....

عندما كنت اعمل في السعودية دعيت لحفل زواج عند احدهم فجاء الخادم يحمل صينيه على عدة أنواع من العصائر وخلال لحظات استطعت أن اعرف معظمهما من الشكل (برتقال ، ليمون ،....) إلا نوع واحد كان شديد الحمرة، فقلت بنفسي هذا العصير مميز لا بد انه فراولة فكان الاختيار ، وما أن لامس الشفاه حتى تذكرت (القلاية، والفعص ، والفغم....) فكان الطعم الذي رضعته قبل (25) عاماً بدلاً من الحليب، فأيقنت وقتها أن البندورة عنصراً ملازماً لحياتنا داخل الوطن وخارجه.....

خلال فترة حياتها تعرضت تلك الجوهرة الحمراء للإهانة ففي فترة من الفترات كان سعر الصندوق ذي النوعية الجيدة، والرائحة المميزة ، والذي يشبه خد الصبية الفتيه ، نصف دينار وليس من المحلات التجارية ولا من السوق المركزي ولكن من البائع المتجول والذي يحملها حتى باب المطبخ دون إكرامية ... في الأمور السياسية والأمنية يستخدم مصطلح الخط الأحمر، أما في الأمور الغذائية فان الخط الأحمر هو البندورة ، والذي أصبح سعره في السنوات الأخيرة مرتبط بسعر النفط عالميا فأسعاره ترتفع ولا تهبط ، ووصل ثمن الكيلو منه في بعض الأحيان أكثر من دينار ونصف وبنوعية رديئة ، ويكون التبرير من المسؤولين أن ارتفاع الأسعار عالمياً فيسكت المواطن ويرضخ للأمر الواقع فالبندورة تأثرت بالعولمة كبقية السلع ..... اليوم تضامنت حشرة "الثربس" مع العولمة ومع حيتان السوق الأردني ضد حبوب الإدمان للمواطن الغلبان، فقررت الهجوم على المحصول في وادي الأردن معلنه رفع أسعاره إن كان متوفر ، أو القضاء عليه من اجل البحث عن بديل ..... هذه دعوة مني للمدمنين على الحبة الحمراء بضرورة التوجه إلى وادي الأردن والقضاء على حشرة الثربس حشرة حشرة حتى يسلم المحصول وتستقر الأسعار رافعين شعار نموت وتحيا البندورة.....

zyoodco@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد