أحلام البيادر

mainThumb

28-06-2009 12:00 AM

" خليها للبيدر" جملة طالما رددها المواطن العربي في الزمن الماضي كثيرا، عندما يحاصره الدّيان أو تحاصره حاجاته وحاجات أبنائه! فيلجأ إلى المخزون النفسي والمادي والاجتماعي، والمفزع الذي يفرّج كربه ويسرّي عنه إذا أحاطت به الهموم... البيدر.. تعلقت به كل آمال الأسرة فهو المنتظر الذي يداعب أحلام الشاب والفتاة والرجل والمرأة والطفل والأجير وكل واحد منهم نسج له حلماً وانتظر البيدر.

ويأتي بعد عناء طويل ، وجمع سنابل القمح وضم واحدة إلى أخرى تحت الشمس الحارقة ، فيحدودب أمام أعين الجميع، يحضن ابتسامات الكادحين ويؤسس لأفراحٍ نبتت من حبة وتجذرت واستطالت وحان قطافها وليس الكادح بصاحبها، فليس أجمل من انحناء بيدر وتقوسه كأضلاع تحمي القلوب المتعبة، أو كوالد يحنو على أطفاله، ويبقى يمارس ألقه إلى أن "يُدْر?Zس" في أجواء احتفالية من الكدِّ والتعب، فيغدو كومة من ذهب تحت شمس الصيف، وبقدر الهباء الذي تطاير منه، تكون أحلام كثيرين انكمشت معه وصارت ربع ما كانت أو أقل! فطارت مع الريح أحلامٌ كثيرة وبقي الواقع الأليم الذي يصرخ في وجه الجميع عندما يلفهم الليل ويناجون أنفسهم، قائلا:.. ليس لكم إلا الكد والتعب، ولن تنالوا شيئا مما ترون.

- هناك من يتربص بجناكم وها هو قادم ليحمل?Z كل شيء!.

- وأحلامنا؟

- ماذا كنتم تأكلون وأنتم تحلمون!؟

- لقد أُكل البيدر قبل أن تخضرّ سنابله بل قبل أن تنبت!.

فقدوا جناهم وهو أمام أعينهم!، يرون تعبهم تتنازعه الأيدي والكل يستفيد منه إلا هم، فكيف إذا البيادر صارت خيالا وبدل أن يأتي التاجر عند الموسم يتقاضى ديونه، اجتاحت النوارس البيدر وأخذت كل شيء، التعب والكد، والأغنيات وأحلام الصبايا والشباب، وامتهن إنسانيتهم ليأكلوا لقمة غُمست بالتعب والذل، يعملون كل الموسم ثم عندما تقترب ثمرة تعبهم، يرونها ولا يلمسونها فهي ليست لهم! هي للتاجر الذي استغل فقرهم وأخذ جناهم بثمن بخس وتركهم يجترون سنواتهم، كل سنة كالأخرى تعب متواصل ثم نظرة حزينة إلى أكوام الذهب تتطاير أمام أعينهم فيتولون وأعينهم تغرورق بالدموع...

هل تغير حالنا!؟ بين الماضي والحاضر، بين بيادر القمح والبيادر المعنوية التي نأخذ جناها كل شهر، فالسواد منا يعمل طوال الشهر ثم عندما يأتي موعد الراتب يتبخر من بين يديه تتنازعه أيد كثيرة، وهل الشعب بأكمله يستطيع أن يُبقي على جناه أو يقطف ثمار تعبه ويبقي على بيادره، فمع العولمة والشركاء الإستراتيجيين كل الجنى يذهب للخارج إلى ذلك الشريك الى صاحب رأس المال الذي لا يعرف إلا كسب المال أما ظروفنا ومشاعرنا فهي لا تعني له شيئا.... فعدنا كما بدأنا! بيادرنا ليست لنا وجنانا للمرابين وليس لنا إلا الأكل والشرب والعمل المضني...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد