الصهيونية ومنطق الاجرام الاستعماري

mainThumb

09-01-2009 12:00 AM

منطق لم يتغير على مر التاريخ، اذ يستعمل اتباع الصهيونية الاجرامية واسيادهم من الرأسماليين الاستعماريين اساليب المعالجات النفسية والدعائية والتمثيل لدس السم بالعسل، من اجل تضليل الرأي العام في بلدانهم وعلى مستوى العالم، فعندما يعقد العزم اولئك المجرمين على ارتكاب جرائمهم، يقومون بتغييب الحقيقة تماما والتركيز على مسالة بعيدة عن حقيقة اهدافهم، وعندما يكون هذا الخطاب موجها للعرب فان التركيز يتم على شخصية بذاتها او على جهة محددة بذاتها، والهدف خلق واقع بعيد عن الحقيقة ومحاولة لتبرئة ذمتهم من جرائمهم امام العالم تحت مسميات انسانية هم منها براء.

وعلى مستوى التحليل فهناك مستويات للفعل الاجرامي كما هو حاصل الان في غزة هاشم من جرائم ترقى لمستوى حرب الابادة، وحسب المواثيق والاعراف الدولية هي ايضا جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، ويمكن التأصيل لذلك من خلال الاستخدام المفرط للقوة، الى استخدام القوة ضد مناطق لا تملك اليات مقاومة مكافئة، استهداف المدنيين، وبيوتهم وممتلكاتهم، ومقومات حياتهم، واستهداف المؤسسات المدنية، وغيرها وغيرها.

تبدأ عملية التسويق للعدوان اعلاميا وهذا معروف وواضح في سلوك اسرائيل العدواني الهمجي وكذلك واضح في سلوك الغرب الاستعماري، والاختلاف فقط في وسائل التعبير اي فقط طريقة استخدام اللغة، فمن تاريخنا الحديث كان التركيز على شخصية الرئيس المرحوم جمال عبد الناصر من قبل اسرائيل والغرب واستعدائه شخصيا من أجل تبرير استهداف مصر، على ان مشكلتهم فقط مع الرئيس، أي اختزال جرائمهم ضد مصر فقط بمشكلة تتعلق بمن هو رئيس مصر وليست اشكالية تاريخية تتعلق بالهيمنة على مصر وحتى احتلالها وإخراجها من الصف العربي، والمثال الاخر إستهداف قادة المقاومة الفلسطينية ونعتهم بالارهابيين دون تفويت فرصة لتكرار نفس الكلام وكأن الفلسطينيين هم من يحتل أرض الصهيونية العالمية وان اسرائيل تتعطف على الفلسطينيين باسكانهم في أرضها وتؤمن لهم معيشتهم وهم ينكرون الجميل ويهاجمون اسرائيل لذا وجب تسميتهم بالارهابيين، وتختزل قضية فلسطين الى مشكلة ما بين اسرائيل المحترمة جدا وبعض الفلسطينيين الذين امتهنوا الارهاب، ولذلك فليس من حق الفلسطينيين مقاومة الاحتلال والمطالبة بحقوقهم وإلا كانوا ارهابيين، فمن هم الغير ارهابيين من الفلسطينيين؟ .................... لا شك انهم موجودون.

ومن هذا المنطق تخرج اسرائيل للعالم وتظهر بمظهر الضحية امام وحشية الاعداء الارهابيين، وقد ساعدها الاعلام الغربي الى أبعد الحدود بكل ما يملكه من قدرات وتكنولوجيا وانتشار على كسب الرأي العام في الغرب، والمثال الآخر عندما حزمت امريكا وبريطانيا أمرهما لاحتلال العراق، ركزت الماكينات الاعلامية الغربية على الرئيس العراقي الشهيد المرحوم صدام حسين لسنوات وسنوات دون كلل أوملل والكذبة تلو الكذبة وخصوصا اعلام امريكا واسرائيل وبريطانيا، وبات كذبهم اكثر من مفضوح وبانت للاعمى اهدافهم الدنيئة، اما اسرائيل وبنفس الاسلوب تركز على حماس من سنين طويلة وتعمل على تسويق فكرة ان العدو حماس، وطبعا بعد حزب الله الذي هزم جيشها في صيف عام 2006، والغرب يبادلها الجميل بالجميل فالاعلام الغربي مجيش لصالح اسرائيل وبكل طاقاته وعلى استعداد لقتل كل صوت يغاير مسارهم ورغباتهم. وانضم لهم في زماننا - ( دون قول اي صفة) – بعض الاعراب او كما يقال بعض (العّريبة).

والمتتبع للإعلام الاسرائيلي والغربي يدهشه حجم التهويل الاعلامي والكذب والتزوير والتحريف وكل اساليب التلفيق، وتوظيف اكاديميين ومفكرين ومؤسسات بحثية مشهورة جدا، واستخدام اعلاميين ممن طبقت شهرتهم الآفاق، واستخدام كل انواع النظريات الاجتماعية والنفسية والسياسية والاستراتيجية وكل ما يخطر ببالك وما لا يخطر ببالك، من اساليب دعائية واعلامية واعلانية وفبركة للصور والاحداث ، والتزوير، والكذب والاصرار عليه اكثر من اصرارك على اية قران، وخير مثال على ذلك خلال التحضير لاحتلال العراق وما قام به كل من جورج بوش الصغير وادارته وقيادات الكيان الصهيوني العنصري.

وتوني بلير سيء الصيت الذي كان يقال على أنه الرئيس المثقف الذي بات عار على الثقافة والمعرفة والعلم في العالم. عدا طبعا عن التمثيل وكل ما يمكن ان يساعد من ادوات مثل تدريب ( كومبارس) للإدلاء بشهادتهم أمام مجالس النواب أو على شاشات التلفزة.

المرحلة الثانية هي بدء العدوان وهي المرحلة التي تظهر فيها الطبيعة الاجرامية للعدو، وبكل مرة تتكرر نفس المبررات، ففي كل مرة وفي كل مكان يواجه به الاستعمار والقتلة بمقاومة وطنية، أول ما يقال عنها أنهم الارهابيون أعداء الحرية، والمتسللين، وتصور البلاد التي يدخلونها وكأنها أرض بلا شعوب، أو مرحب بهم جدا ولن يضربهم احد بحذائه بل سيستقبلون بالورود، كما يفعل بعض الخنازير.

ثم يبدأ القتل الممنهج حتى يعلو الصراخ فوق صوت قذائفهم وتظهر الجرائم المهولة، في العراق وافغانستان والصومال وفلسطين بعمومها وغزة على وجه التحديد، يظهر رجل بملامح جبانة وكلمات مقيتة تكرر كلام مبتذل ينم عن أزمة اخلاقية وعنصرية وعنجهية وملامح كلها إجرام، ليخبر العالم ان الارهابيين يستخدمون المدنيين كدروع بشرية، نعم المقاومون إرهابيون وهم ملائكة، ويتكرر هذا كل يوم في غزة وعلى منابر عربية تلام على ذلك، وعلى إسماعنا هذه الاصوات القذرة المسعورة. والتناقض طبعا يستطيع تمييزه حتى أكثر البشر سذاجة، إذ تعترف اسرائيل وجيشها أنهم لا يشاهدون المقاومين الفلسطينيين وأكد ذلك الصحفيين المقيمين في غزة، وعرف العالم ذلك في بيروت وبغداد والفلوجة وغيرها.

وفي كل جريمة عدوانية تتكرر حجة إننا لا نستهدف مدنيين واننا لانخطئ اهدافنا، وعند افتضاح أمر جرائمهم، يزجون بجندي اياديه ملطخة بالدماء او سياسي أوداجه تقطر دما تدرب على جمل وكلمات يقولها اذا ما سؤل اي سؤال، فالاجابة انهم هم ديموقراطيين ويحققون في كل شيء ثم نقطة، ليس بعد كلامهم كلام، ويشهد على ذلك ملجأ العامرية، وسجن ابو غريب، واعمال الاغتصاب والقتل في انحاء العراق، والضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان بكل قراه، اما في غزة فجرائم القصف الاستراتيجي وحرق الارض فإن حجته صواريخ حماس ونفس الكلام البارد الملطخ بالدم والحجج الممجوجة السمجة وهناك من يسمع ويحاول ان يبرر.

أما الاضافات التي اضافها القتلة من امريكا الى بريطانيا الى اسرائيل، فهي ليس فقط تجريم الاخرين وتبرئة انفسهم وانما دعوة ابناء الامة لمشاركتهم الجرائم في قتل بعضهم، ابتدأت بجورج بوش الصغير عندما اعلنها صراحة (من ليس معنا فهو ضدنا)، واستطاع تجييش النظام العربي الرسمي لتبرير جرائمه وتمريرها واشراك النظام العربي بالجرم. والتعديل في اسرائيل هو عدم قدرتها على قول هذا الكلام علنا فقامت بدعوة العرب لمساعدتهم في محاربة الارهاب وقتال حماس واشارة ضمنية الى حزب الله، وكل عربي لا يؤمن باسرائيل وخطابها النتن.

ويلاحظ ان تغير الكلمات بين جورج بوش الصغير وديك تشيني، عن شمعون بيرس وتسيبي ليفني في اسلوب الطرح فقط، والحجة في كل الحالات طرف بعينه الرئيس في مصر، الرئيس في العراق، حزب الله في لبنان، وحماس الان في غزة. ولكن ما هو ثمن الذي يتحمله العرب في كل مرة؟ مليون عراقي، الاف اللبنانيين، الاف الصوماليين، الاف الفلسطينيين، واكثر من اربعة الاف فلسطيني في اثنا عشر يوما خلال عملية قتل غزة، والرقم يتصاعد.

لماذا دائما نفس المبررات وماهو المطلوب منا تجاه انفسنا؟

تتبنى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل ما يسمى ظلما بالنظرية الواقعية في العلاقات الدولية، وهي نظرية تركز على القوة، واستخدام القوة هو الاساس في العلاقات الدولية، الذي يتشكل من مجتمع دولي فوضوي، فاستخدام القوة ضرورة وبكل اشكالها، من الحصار الى القتل واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا، اي ليس هناك حدود للقوة المستخدمة كما هي في عقيدتهم، ولا تقاس النتائج بعدد المقتولين او ما حل ببلادهم فهذا لا يحسب عندما يتعلق الامر بدول هامشية كالدول العربية، ولكن الهدف المهم هو الحصول على مصالح وتثبيت اخرى، وتمرير سياسات آنية واستراتيجيات مستقبلية ولنفس الغاية، اي الابقاء على مصالحهم سياسيا واقتصاديا لأطول أمد ممكن ويتم تمرير هذا في العالم العربي من خلال:

· التدخل في النظام التعليمي العربي، وخصوصا التعليم الديني.

· التدخل في السياسة الداخلية للعرب تحت حجة الديموقراطية وحقوق الانسان.

· إحتضان جواسيس وخلق ما يسمى معارضات منهم لإبقائهم سيوفا على رقبة الحكام العرب وتخويفهم .

· تخويف الانظمة العربية الرسمية من بعضهم وبث الفتن والاحقاد بينهم.

· فرض طبقة من السياسيين الجواسيس الموالين للغرب على دولهم.

· فصل الدول العربية عن بعضها وجعل كل كيان منها قائم بذاته ولا صلة له بغيره.

· اشعال الفتن الطائفية والعرقية والمذهبية والجهوية داخل الدول العربية.

· ربط مصالح الزعماء العرب الشخصية بمصالح الاستعمار مقابل مساعدتهم في البقاء على الكراسي، ودعمهم بالمعلومات الاستخبارية، وقمع شعوبهم، والفصل بينهم وبين الشعوب.

· التدخل العسكري من خلال قواعد عسكرية، والتي بات بناء عليها أغلب الدول العربية محتلة عمليا ومستقلة ظاهريا.

· التدخل العسكري بالاحتلال المباشر كما هو في فلسطين والعراق والصومال.

ونحن ماهو دورنا؟ ان أي من الأمم تخلت عن بناء جيوش للاوطان وبنت جيشا للسلطان، تحولت هكذا أمة الى أمة مهزومة ولا أمل لها بالحفاظ على كياناتها وتراثها وحضارتها ومستقبلها، وتحولت الى امة تابعة ضعيفة مستسلمة للمستعمرين. وبناء عليه فان التحصين أي تحصين الشعوب هو أولى مهمات القادة السياسيين والمثقفين والواعين، وكما يحصن الاطفال بالتطعيم ضد الامراض، فلا بد من تحصين افكار الشعوب وايضاح اخطار عدوهم واساليبه في فت عضدهم وتمرير افكاره المسمومة، وبيان خطره على اوطانهم وانفسهم وثقافتهم، كما هو واجب التوعية بنفس أسلوب الدول عندما تثقف مجتمعها من الايدز والامراض المستوطنة والمستوردة، فان خطر أمريكا وبريطانيا واسرائيل اكبر من خطر الايدز والسرطان.

وواجب على الامة عدم قتل روح المقاومة عند الشباب وعدم تمييعهم ويجب إظهار المخاطر التي تتعرض لها أوطانهم وإرثهم الحضاري وحتى نمط تفكيرهم، فالوعي والتوعية واجب وطني وقومي وديني لكل أمة تتعرض للخطر، والوعي هو الحصن الواقي للامة، فالوعي السياسي يستغل لتحليل سلوك أعدائنا ومن منطلقات علمية، ووكذلك البحث العلمي الجاد، وعلى سبيل المثال ان الاسرائيليين في مفاوضاتهم مع العرب كانوا يملكون خيارات تفاوض عديدة، ومع ذلك لم يلزمهم إلاّ اسلوب قديم في التفاوض، قام على اساس ما يسمى بنظرية اللعبة، لعدم قدرة مفاوضيهم على مجاراتهم.

ومطلوب من الامة الاعتقاد الجازم انه لايمكن التعايش مع هكذا كيان امتهن القذارة العدوانية، ولا يردعه رادع في سلوكه، فالبحث في أساليبه التي اتبعها مع الفلسطينيين في القمع والترحيل والتشريد والقتل بحاجة الى زمن طويل لدرسها، للتحقق من اساليبهم الهمجية ونفسياتهم المريضة، فهذا العدو لا يمكن ان يفهم إلا لغة القوة والقوة فقط. أما ما يدعى بالسلام ظلما وعدوانا فليس الا وهم، والشواهد كثيرة جدا. ثمانية عشر عاما من المفاوضات والنتيجة صفرا وقتل الالاف.

ان عزة الامة وكرامتها وكبريائها وحقن دمائها ليس بالاستسلام لاسرائيل والاستعمار الرأسمالي المتهالك، والذي يحاول البعض تمريره من خلال الانفتاح وفهم الاخر ومخاطبته بلغته التي يفهمها والتحول الى اتباع له ولثقافته العنصرية المريضة، ونحن الضحايا علينا اقناع القتلة والسفلة والمجرمين وشذاذ الافاق، بعدالة قضايانا ونضحي مقابل ذلك بكل شيء، وتناسى الانبطاحيين ان طعم الحشيش ربما يكون مرّا، ولكنه افضل بالتأكيد من موائد تتكوم فوقها جثث الأوطان والأمم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد