أنا حر

mainThumb

15-09-2009 12:00 AM

سليمان ابو شلذم
أنا أقف خائفا مرتجفا أمام موظف صغير في أي دائرة حكومية منتظرا منه أن يتعطف بالتحدث معي عن سبب حضوري إلى دائرته لأنني أخشى إن بادرته الكلام أن يفقد شيئا من هيبته وتكشيرته العثمانية وأن لا يستمع لي واسمع منه الجواب الذي لا أريده (أنا مش فاضي ... تعال بكره ). وحينها افقد حريتي.

أنا أخاف أن أتكلم مع سائق التاكسي لأنني المسئول عن أزمة المرور وعلي أن اركب معه صامتا واستمع إلى شتائمه التي لا تنتهي بدءا من شتم الطريق إلى المارة ووصولا إلى وزارة الأشغال وانتهاء بشتم الركاب وأنا منهم لأننا نتسبب في أزمة المرور.

أنا لا استطيع أن أناقش بائع الخضروات أو الفواكه لأنني أخشى أن يضربني بكفة الميزان ويجب أن أتقبل منه ما يبيعني وبالسعر الذي يريده مهما كانت نوعيته وأنا صامت صمت القبور وان اشكره على تفضله على مد يده ليأخذ الدراهم منى وعلى تطفلي بالشراء منه.

أنا ادخل على الجزار بقدم إلى الأمام وأخرى إلى الخلف واشتري منه اللحمة التي يريد حتى ولو كانت لحمة كلاب ولا يحق لي النقاش فالرجل يعمل بالسكاكين والسواطير وهو مدرب على استعمالها بشكل جيد. ويجب أن اخرج من عنده ( إلى الخلف در ).

أنا ادخل إلى المستشفي مريضا واخرج منه مريضا محملا بفاتورة طويلة من الأدوية والأرقام التي لا افهمها ولا يحق لي أن اعرف لماذا أنا مريض ولا ما هو مرضي ولا الأساس الذي بناءا عليه كتبت فاتورتي الطويلة.

أنا الفصيح البليغ الشجاع الذي يتلعثم ويقف رعديدا جبانا أمام سكين أو هراوة في يد أزعر يجيد استعمالهما أكثر مما يجيد تحية الإسلام.

أنا الصامت العاجز الذي لا حول له ولا قوة. انأ الحائر الضائع في هذه الحياة .أنا الذي من اجله شيدت المدارس والجامعات ولا يحق له أو لابناءه دخولها إلا بشروط أقسى من جلمود صخر وعلية أن يدفع لها رسوما مدى الحياة ولا يحق له أن يسأل متى ستتوقف هذه الرسوم.

أنا العطشان الظامئ الواقف على بحر من المياه ولا يحق له أن يشرب منها. أنا خطيئتي الحرية وذنبي أنني أبي لا يحب الانحناء إلا لله. أنا من وضع شجرة القانون ليعيش تحت ظلها فأجتثها الحيتان وجعلوا منها محرقة لجسدي وحريتي.

أنا حر ... وسقف حريتي السماء وجذورها أعمق من أن يقتلعها من يريد اقتلاعها. أنا شجرة بلوط عتيقة في جبال عجلون تمتد جذورها إلى أعماق الأرض فيصعب اقتلاعها. أنا صخرة في جبال البتراء باقية بقاء الزمن. أنا نبع ماء يخرج من وادي الكرك ويسير حرا ليصب في البحر الميت ويبعث فيه الحياة. أنا همة هذه الأرض وعزيمة أهلها وشموخهم الذي يطاول السماء. أنا المواطن . أنا حر!!!!!!!!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد