رسالة ثانية إلى امرأة متأففة!

mainThumb

04-10-2009 12:00 AM

د. خالد سليمان
أعذريني عزيزتي المتأففة، فقد نسيت في رسالتي الأولى أن أخبرك بأنني كنت واهماً، بل مخدوعاً مثلك حيناً طويلاً من الدهر؛ إذ كنت أظن أن القوم في مدائن الغرب قد تجاوزوا منذ أمد بعيد مشكلة النظرة الشبقية الرخيصة للمرأة، وأن فتحهم الباب على مصراعيه لاختلاط الذكور والإناث وانكشافهم على بعضهم واشتباكهم في علاقات حميمة حرة قد حررهم من هاجس الجنس الذي بات يسيطر على تفكير كثير من الناس في بلادنا المبتلاة بالتخبط والضياع بين قيم النور والظلام! لا أخفيك أنني بقيت أسير مثل تلك الأوهام إلى أن شاءت الأقدار أن أحط رحالي طويلاً في إحدى المدن العريقة في الغرب. ولأنني أشتغل في مجال البحوث الاجتماعية، وأحاول ما استطعت ألا أسلّم بمزاعم الناس إلا بعد اختبارها، أخذت أوظف عين الباحث المحلل لاختبار تلك المقولات التي كان بعض المتغربين يقصفوننا بها ليلاً نهاراً حول رقي الغرب وتحضره وإجلاله للمرأة وحرصه على حقوقها، فوجدتها بعد تفحص طويل وعميق مجرد أكاذيب وترهات لا يمكن إلا أن تنهار سريعاً أمام مباضع السبر والتمحيص والاختبار! وسأقدم لك بعض الأمثلة التي تؤكد صحة مزاعمي صديقتي المتأففة، راجياً أن يتسع صدرك قبل عقلك لاستيعابها:
تقول بيانات وزارة الصحة البريطانية التي نشرت غير بعيد إن أكثر من أربعة آلاف فتاة تحت سن السادسة عشرة قد خضعن لعمليات إجهاض في إنجلترا وويلز العام الماضي وحده، أي بزيادة قدرها (10%) عن العام الذي سبقه! وتقول بيانات رسمية أمريكية حديثة إن ما لا يقل عن (40%) من الأمهات الأمريكيات كن قد أنجبن أطفالهن خارج إطار الزواج، وكن وقتها في معظمهن في سن المراهقة!
لن أسهب هنا في الحديث عما يتمخض عن تلك الظاهرة المخجلة المتصلة بعلاقات آثمة لا يقرها دين أو خلق من أمراض عضوية مقززة، واضطرابات نفسية جسيمة، واختلالات اجتماعية ممتدة تعصى على الحصر! وأظنك تستطيعين تخيل مثل تلك التداعيات الكارثية بعقلك الذي تؤكدين حرصك على إعماله وتفعيله! فهل تودين يا رعاك الله أن نصل إلى مثل ذلك الواقع المفجع، الذي سنصل إليه حتماً، إذا ما أعطينا عقولنا إجازة وأخذنا بنصائحك العبقرية الفذة، وزعمنا أن بإمكاننا أن نغير الطبيعة البشرية، وأن نقلب حقائق التاريخ، فنجبر آدم على تجميد أحاسيسه البيولوجية والتوقف عن النظر إلى جسد حواء، حتى وإن كان عارياً، كتمثال حجري صلد لا يحرك شيئاً فيه!
الرجل الغربي عزيزتي قد يتظاهر بأنه لا ينظر إلى جسد أنثوي عار يخطر أمامه، وقد يزهد فعلاً في النظر إليه، ولكن ليس نبلاً منه أو حياءً أو مروءةً، وليس لأنه لا يكترث حقاً بذلك الجسد، بل لأنه فيما أرجح غارق حتى أذنيه في علاقات دنسة مع أجساد عارية أخرى، فبات كالمتخم الذي يكاد يشعر بالغثيان عندما يرى الطعام، إلا انه سرعان ما يهوي عليه افتراساً عندما يعضه الجوع بنابه! ولا أظنني بحاجة إلى الحديث عن ملايين قصص الخيانة الزوجية التي تعصف باستقرار العالم الغربي، التي أصبحنا نستورد نماذج مشينة منها بفضل انسلاخنا عن عقيدتنا وأخلاقها.
هل تعلمين شيئاً عزيزتي المتأففة عن معدلات الاغتصاب في مدائن الغرب التي تمجدين نظرة الرجال إلى النساء فيها!؟ من باب العلم فقط، تسجل الإحصاءات الرسمية (78) حالة اغتصاب كل ساعة في أمريكا وحدها! ويبدو مهماً الإشارة هنا إلى أن نسبة الاغتصاب قد ارتفعت أربع مرات بالمقارنة مع نسبة الجرائم الأخرى التي سجلت هناك في السنوات العشر الأخيرة، ربما بما ينسجم مع حقيقة تعالي الأصوات المغرضة التي تهاجم قيم الطهر والعفة والفضيلة!

تنتقصين كثيراً من قدر نفسك وتشككين الناس برجاحة عقلك عزيزتي المتأففة إذا ما صدقت بأنه ليس هناك علاقة بين لباس المرأة ونظرة الرجال إليها، فكل شياطين الدنيا تتقافز في رأس الرجل، حتى وإن كان قديساً، عندما يرى امرأة متبرجة تتفنن في عرض مفاتنها، واسألي أي رجل صادق تعرفينه إن كنت لا تصدقين! قد تقولين إنك لا تطالبين النساء بالتبرج، ولكنك تنادين بارتدائهن ملابس "عادية" "محترمة" بعيداً عن تقييدهن بالحجاب. المشكلة إن الأمر ليس بتلك البراءة والبساطة صغيرتي، فالملابس "العادية" "المحترمة" كانت المقدمة التي قادت بالضرورة إلى ملابس غير عادية وغير محترمة! وارجعي إلى تاريخ تطور لباس المرأة في شرقنا البائس إن كنت تشكين في صحة هذه الحقيقة!

التربية كما تفضلت مهمة وضرورية وواجبة لتهذيب الناس والسمو بأخلاقهم وحثهم على التمسك بالفضائل سيدتي، وليس ثمة عاقل يمكن أن يعترض على مثل هذه المسلمة الساطعة الوضوح!؟ لكن التربية لن تنجح حتماً في تبديل ما فطر الله الناس عليه. وإذا كنت لا تعلمين ما الذي أتحدث عنه، فإنني أتحدث هنا عن الغريزة التي أودعها الله فينا، التي تدفع الرجال للانجذاب إلى النساء وتدفع النساء للانجذاب إلى الرجال. هذه الغريزة التي ينبغي أن تخضع للضبط والتنظيم وتضييق السبل قدر المستطاع أمام إمكانات جموحها وانطلاقها من عقالها، وصدقيني أن تجريد المرأة من حجابها، لن يشكل إلا باباً للشيطان، سرعان ما ستتفلت الغريزة الهائجة للمرور منه بصورة غير شرعية لإشباع نهمها المكبوت! فهل ستكونين سعيدة بما سينجم عن ذلك من خراب لمجتمعنا الذي لا ينقصه الخراب سيدتي الثائرة!؟

sulimankhy@gmail.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد