نحو إستراتيجية وطنية لتفعيل آليات حقوق الإنسان

mainThumb

11-01-2009 12:00 AM

في ذروة الأحداث والنتائج الكارثية التي يسببها العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة وعلى مسمع ومرأى من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان العالمية ،والذي سبق له وأن مارس نفس السلوك الإجرامي على الشعب اللبناني الشقيق في تموز 2006 وهو عمليا يمارس سياساته الوحشية واللاإنسانية منذ فرض الحصار على قطاع غزة قبل أكثر من سنتين ، ومع تزايد أعداد الشهداء والجرحى والأسرى والمشردين والمنكوبين من السكان المدنيين وخاصة النساء والاطفال ، وبعد صدور القرار 1860 لمجلس الأمن والإنحياز الأمريكي السافر وضعف دور الإتحاد الأوروبي لوقف ما يجري ، وفي ظل حالة الصمت العربي والدولي وعدم توصلنا نحن الفلسطينيون حتى الآن إلى صيغة وحدوية صلبة ومتماسكة تنهي خلافاتنا وإنقسامنا وتساعد في تشكيل جبهة وطنية موحدة يسند إليها إعداد برامج الصمود والتصدي لمواجهة العدوان وإفشال مخططاته .

في ذروة ذلك كله ، تعالت الأصوات من المؤسسات والشخصيات السياسية والتنظيمية والهيئات الحقوقية والقانونية المطالبة بتطبيق آليات القانون الدولي الإنساني وإتفاقية جريمة الإبادة والمعاقبة عليها ، وتنفيذ مباديء حقوق الإنسان وعلى وجه التحديد بنود إتفاقية جينيف الرابعة ، وقد لوحظ تزايد أعداد المطالبين بتقديم مرتكبي جرائم الحرب في قطاع غزة للمحكمة الجنائية الدولية ، وفي ذات الوقت خرجت الشعوب العربية والغربية وبعض الحكومات وعدد كبير من المؤسسات الدولية عن صمتها وتعدت حدود الإنحياز الأمريكي لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين كمنظمة الصليب الأحمر الدولي والمقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والمنسق العام لمنظمة الأنروا ومفوضة وكالة الغوث في الأاراضي الفلسطينية المحتلة ومنظمة العفو الدولية ومجلس الحقوقيين العرب والأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون

كل هؤلاء وغيرهم عبروا عن رفضهم للتمادي الإسرائيلي الصلف في تجاوز المواثيق والقوانين الدولية ، وقد أثروا بمواقفهم على مواقف مؤسسات دولية لها تأثيرها الواضح في تغيير السياسات العامة ومنها منظمة هيومان رايتس التي نقلت ما يجري إلى قلب مجلس الشيوخ الأمريكي وفضحت السياسة الخارجية المنحازة تماما للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ، مطالبة بوقف المجازر المروعة بحقه وكبح جماح القوة العسكرية الإسرائيلية التي إنتهكت الأعراف والمواثيق الدولية .

اليوم ، وبعد سنين طوال من العذاب والقهر والقتل والتشريد والإعتقال والحصار بسبب الإحتلال الإسرائيلي ، أصبحنا بحاجة ماسة لتطوير آليات حقوق الإنسان الدولية والبحث بجد ونشاط عن الخطط والطرق القانونية والدبلوماسية الكفيلة بتنفيذها وتطبيقها على العدوان وإلإنتهاكات الإسرائيلية الصارخة بحقنا ، وقد أدركنا أكثر من ذي قبل خطورة المعادلة الإسرائيلية في تبرير ما يجري في قطاع غزة وخلق الذرائع للتحايل على القانون الدولي الإنساني ، لا بل أن إسرائيل وعلى لسان العديد من قياداتها مارست جرائمها ومجازرها بغطاء دولي غير مبرر وبحجة الدفاع عن النفس ومقاومة الإرهاب .

وأمام تصاعد وتيرة الإعتداءات وتزايد أعداد الضحايا الأبرياء بشكل مقلق ومخيف ، بات ضروريا الإسراع في وضع إستراتيجية وطنية جدية تضمن تفعيل الجهود القانونية عربيا ودوليا بهدف وقف العدوان الدموي على جماهير شعبنا في قطاع غزة ، والمطالبة بإجراء محاكمة دولية لمرتكبي جرائم القتل والتشريد والإبادة ، وذلك من خلال خلق رؤية فلسطينية حقوقية وقانونية تستند إلى المواثيق والبروتوكولات الدولية لحقوق الإنسان ومدعومة بقرار سياسي فلسطيني عالي المستوى ، يتم من أجلها تكليف القدرات القانونية والكفاءات الفلسطينية والعربية الخبيرة في هذا المجال وتوفير الأدلة والوثائق اللازمة لها ، للتحرك الفوري والعاجل لرفع الشكاوي للأمم المتحدة ومدعي عام المحكمة الدولية .

ومن هنا لا بد من التأكيد على ضرورة أن تكون القيادة الفلسطينية قادرة على تطوير الدبلوماسية القانونية الخارجية ، وبأمكانها إستغلال دور منظمة التحرير ومؤسساتها وسفاراتها في هذا المجال فالوضع الفلسطيني الحالي بلغ الذروة في خطورته وتراجعه وضعفه ، الأمر الذي يتطلب وجود وحدة وطنية فلسطينية تضع أمام عينيها أهدافا وطنية وسياسية محددة وواضحه وتنطلق من أجل تحقيقها ، ويجب أن لا تؤدي هذه الإستراتيجية إلى وقف العدوان فقط ، بل يجب أن تتخطى ذلك إلى رفع الحصار وفتح المعابر وإنهاء الإنفصال بين شطري الوطن بالضفة والقطاع ، جنبا إلى جنب مع تمسكنا وتفعيل دبلوماسيتنا من خلال الجاليات الفلسطينية والسفارات والعربية وإصرارنا على تطبيق مباديء العدالة الإنسانية التي يتغنى بها المجتمع الدولي وتقديم مرتكبي العدوان على قطاع غزة للمحكمة الدولية وضمان توفير الحماية للشعب الفلسطيني ومنع تكرار جرائم القتل والعدوان الإسرائيلي عليه مستقبلا .

لقد بات من الضروري الإسراع في تكليف لجنة حقوقية من كافة المؤسسات والخبرات القانونية الفلسطينية والعربية والعالمية ، لتقديم دعوى للمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم القتل والإبادة في قطاع غزة ، بحيث يتم تدعيم هذه الدعوى بالوثائق والأدلة والشواهد والشكاوي الفردية والجماعية لحالات القتل والجرح وهدم البيوت والتشريد والإعتقال ، وعلينا قبل غيرنا أن نسعى إلى تشكيل لوبي عربي ودولي ضاغط لإنشاء محكمة دولية مختصة بالعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة ومحاكمة المسؤولين عنه ومرتكبي جرائمه ومجازره .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد