امتهان القرآن بين هيفاء ونيشان!

mainThumb

20-09-2009 12:00 AM

د. خالد سليمان
عاماً بعد آخر، بل رمضاناً بعد آخر بالأحرى، يتضخم حجم الاجتراء على الدين، فترى الذين لا همّ لهم إلا التشجيع على إشاعة الفواحش في الناس باسم الفن، والفن منهم براء، يتفننون في إقحام الدين ومقدساته بمنتهى الصفاقة في برامجهم المشبوهة، التي لم تصمم إلا من أجل المزيد من إلهاء الناس عن ذكر ربهم، وصرفهم عن استثمار أوقاتهم في عبادته، أو في القيام بما قد ينفعهم وينفع الناس.
الإعلامي المدعو نيشان ديرهاروتيونيان، وأورد اسمه كاملاً هنا لتبرير مشروعية القول بأنه أحد الذين لا يحق لهم مجرد لمس القرآن الكريم، انطلاقاً من أنه كتاب الله المكرم الذي لا يمسه إلا المطهرون، وبخاصة في سياق استعراضي رخيص، يستضيف في برنامجه العبثي الأخير "المايسترو" المدعوة هيفاء، هذه التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، لا بفن جميل رفيع يسمو بالروح ويرفرف بالقلب في عوالم الجمال الفاضل كما ينبغي للفن الحقيقي النبيل أن يفعل، بل بإيماءات متهتكة مبتذلة تستثير في الناس أحط ما فيهم. ولو اكتفى ذلك الإعلامي المتحذلق باستضافتها وإضاعة وقته ووقت مشاهديه بالحديث عن إبداعتها الجبارة وفنها المذهل وعلاقتها بزوجها الهمام وبوسائل الإعلام السفيهة التي ترصد كل حركاتها وسكناتها لهان الأمر ولصمتنا على مضض، ما دمنا لا نملك القدرة على إقناع الناس بالإحجام عن إهدار وقتهم بمشاهدة تلك المهازل التي تشوه نقاء قلوبهم، لكنه تجاوز ذلك إلى اقتراف جريمة نكراء، تمثلت في قيامه بإهداء نسخة من القرآن الكريم إلى تلك المرأة، التي زعمت ـ حسبما قرأت ـ بعد أن قبّلت الكتاب الكريم بشفتيها المنتفختين بسيليكون الغواية أنها تحب قراءة القرآن لأنه يهدئ نفسها المضطربة!
هل سمعتم بربكم بإسفاف وابتذال أفظع من هذا المشهد!؟ مغنية رديئة من الدرجة العاشرة ـ ولا أدري إذا كان بالإمكان فعلاً وصفها بالمغنية ـ تخصصت في فنون إثارة غرائز الناس، تتلقى نسخة من القرآن الكريم على سبيل الإهداء من مذيع متفذلك لا ينتمي لملة الإسلام، فتحمله بيديها الآثمتين، وتلثمه بشفتيها الشيطانيتين، ثم تتبجح فتدعي بأنها تحب قراءته، متناسية بأن قراءته ينبغي أن تصرفها عما هي غارقة فيه من ضلال وإضلال، لا ينتهي البرنامج حتى تعرض للناس منهما الكثير!
المشكلة أن ذلك المشهد المفجع الذي يعكس استخفافاً مهيناً بالدين وبكتاب الله قد بات يتكرر بصيغ متنوعة في كثير من البرامج التافهة التي يزخر بها الشهر الكريم. ففي كثير من تلك البرامج، بتنا نلاحظ إصرار المذيعين الثقلاء على سؤال ضيوفهم من "الفنانين" عن طقوس حياتهم في رمضان، لنسمع ممثلة انضمت مؤخراً إلى قائمة من يعرفن بممثلات الإغراء عبر فيلمها الأخير "شهرزاد"، تدعي أنها تجتهد في العشر الأواخر لمنافسة زوجها الممثل "الورع" على قراءة القرآن! ولنشاهد ممثلة أخرى يخجل الحس السوي من مشاهدة أفلامها المكتظة بمشاهد العري والفجور، كفيلم الريس عمر حرب مثلاً، تؤكد حرصها في الشهر الفضيل على قراءة ما تيسر من القرآن وأداء الصلوات الخمس في أوقاتها، حتى وإن كان ذلك في استوديو التصوير! ولنتعثر براقصة أصبحت ممثلة بعد أن اكتهلت تكاد تذرف دموع التماسيح ندماً لأنها أُجبرت على الإفطار في يوم من أيام رمضان لضرورات تصوير مشهد في مسلسل! ولنصادف ممثلاً يتباهى في أحد البرامج بخياناته المستمرة لزوجاته، يشير في البرنامج نفسه إلى أنه يعكف على التفرغ في رمضان للعبادة، نظراً لتقصيره في ذلك طوال العام!
لست شخصاً متزمتاً، وأزعم أنني مغرم بالفن النظيف الجميل الذي يرتقي بأذواق الناس وأخلاقهم ووعيهم، لكنني أرى أن هناك حملة مكثفة ومنظمة لتشويه الدين وتفريغه من مضامينه الأخلاقية باسم الفن وعلى يد الدخلاء عليه! وأجدني أتساءل هنا: لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد عندما يصدر عن المرجعيـات الدينية ما ينتقد هذا العمل "الفني" أو ذاك، بدعـوى أن ذلـك يمثل محاولةً ـ مستهجنةً تماماً ـ من جانب الدين للتدخل في شؤون الفن!؟ بينما يمنح أهل "الفن" ـ وأقول الفن هنا تجاوزاً ـ أنفسهم الحق في التطفل على الدين واستباحة قدسيته بتلك الصورة المستفزة دون أن يطرف لأحد جفن!؟
لا أحب الاستعانة بأسلحة "نظرية المؤامرة"، ولكن يبدو أننا إزاء مؤامرة حقيقية يصعب إنكارها، تسعى بدورها إلى قطع خطوات أخرى على طريق تهميش الدين وتهشيمه، وإقناع الناس بأنه ليس أكثر من طقوس شكلية يمكن لأي كان أن يؤديها، دون أن يكون له علاقة على الإطلاق بتوجيه السلوك؛ ما يعني أن بإمكان المرء أن يحذو حذو النماذج "الفنية" الساقطة التي يمجدها الإعلام صباح مساء، فلا يتردد كثيراً في الانغماس في مستنقعات الشهوات الهائجة والغرائز الجامحة عن سابق إصرار وترصد، غير أن بإمكانه في الوقت ذاته أن يصلي ويتصدق ويصوم ويحج ويعتمر، دون أدنى شبهة من تعارض!
الدين سلوك أخلاقي رفيع لو يعلمون، وليس مجرد طقوس موسمية لخداع الله والنفس والناس، والعبادات التي يتشدق "الفنانون" بأنهم يحرصون على أدائها في رمضان ينبغي أن تنهاهم عن الفحشاء والمنكر وإفساد ذوق العباد. وإذا كان "أهل الفن" قد انزلقوا إلى دروب التيه والانحلال، فإن على الإعلام أن يسعى إلى ردهم إلى مسار الرشد، لا أن يتورط في التصفيق لهم والسعي إلى مواكبتهم، وربما سبقهم في السير على تلك الدروب، التي لا يمكن إلا أن تقود المجتمع العربي كله إلى نهاية كارثية سوداء، لا تصيبن الذين ظلموا منه خاصة، بل تصيب الجميع جرّاء سكوتهم عما اقترفه البعض من تحد لله وعبث بدينه وامتهان لكتابه العزيز!
sulimankhy@gmail.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد