العشائرية وقيم الموت!
كل المقيمين على أرض الأردن الطيب من شتى المنابت والأصول هم أبناء عشائر بالضرورة، فالأردنيون على اختلاف مساقط رؤوسهم لم يظهروا على سطح الأرض فجأة كفطر طارئ بغير جذور، وإنما تحدروا من عائلات وأفخاذ وحمائل وعشائر احتضنت وجودهم ووجود آبائهم وأجدادهم، حتى وإن أسهمت فواجع السياسة ومؤامراتها، وبخاصة فيما يتعلق بالعائدين إلى أصول فلسطينية، في تفكيك تلك الوحدات القرابية وتشتيت كثير من أعضائها في مشارق الدنيا ومغاربها.
غير أن الخيال الإقليمي القاصر للبعض يجعله عاجزاً عن استيعاب حقيقة كون المرء ابن عشيرة فعلاً، ما لم يكن اسم عائلته على إحدى الأوزان الشائعة لأسماء العشائر في الأردن، من مثل: مفاعلة، أو فعيلات، أو فعالي، أو فعول، أو فعالين... الخ!
أقول هذا في مسعى لسحب البساط من تحت أقدام صغار النفوس الذين يتكبرون ويتجبرون ويختالون على الناس بسبب انتمائهم العائد إلى محض الصدفة إلى عشائر معينة، فالراسخون في علم الأصول والأنساب يؤكدون أن معظم العائلات والعشائر الأردنية كانت قد جاءت إلى الأردن قبل عقود، تطول أو تقصر، قادمة من بقاع عربية أخرى في فلسطين والعراق والجزيرة العربية والشام، فتحورت أسماء بعضها، بينما ما تزال أصولها تقيم في تلك البقاع، ربما بأسماء أخرى.
تبدو تلك المقدمة ضرورية للتأكيد بأن التعصب الشوفيني للعشيرة ضد العشائر الأخرى لا يعدو كونه مجرد مظهر هوسي بائس، فالنقاء العشائري، كالنقاء العرقي تماماً، هو ليس أكثر من مجرد أسطورة مريضة، وكثير من العشائر التي يتزمت أعضاؤها في الدفاع عنها بتعصب مقيت أهوج، تعود بجذورها إلى عشائر أخرى تقع ضمن نطاق ازدراء أولئك الأعضاء أنفسهم!
على أية حال ـ وندخل الآن بصورة أوثق في صلب الموضوع الأساسي لهذا المقال ـ علينا أن نحمد الله؛ إذ إن عشائر كثيرة من التي اتخذت من الأردن مستقراً لها لم تعد لحسن الحظ، ولأسباب عديدة، تتمسك باتباع العديد من القيم العشائرية الخرقاء، التي قد تقود المتورطين بتبنيها إلى موت عبثي ومجاني شبه محقق، دون ذنب أو جريرة، اللهم إلا التبعية، ولو الإسمية، للعشيرة! وفي جميع الأحوال، فإن انتماء المرء إلى هذه العشيرة أو تلك، هو مجرد أمر جاء بمحض الصدفة، وليس لأحد أي فضل فيه. ومن ثم فإنه مما يبعث على السخرية جعله مدعاة لتفاخر ساذج لا معنى له، ما دام المرء عاجزاً عن اختيار العشيرة التي يولد فيها كعجزه عن اختيار فصيلة دمه! مع وجوب تذكر الحديث النبوي الشريف الذي يؤكد بأنه لا فضل لامرئ على آخر إلا بالتقوى.
في المقابل، يبدو أن الزهو الطفولي الذي قد يشعر به المرء بسبب انتسابه إلى هذه العشيرة أو تلك لا يساوي شيئاً أمام الثمن الباهظ الذي يمكن أن يدفعه جرّاء ذلك الانتساب. فحسب ما نرى، فإن الانتماء إلى عشيرة ما، ولو بالاسم فقط، يعني أن تكون مرشحاً قوياً لانتزاع روحك، أو لحرق بيتك وتدميره، أو لتشردك وطردك أنت وأهلك من بلدتك التي سكنت فيها طوال عمرك، أو لخسارة جزء وفير من مالك الذي جمعته بشق النفس، أو لكل ذلك معاً، وذلك لمجرد أن أحد الحمقى المستهترين من أبناء عشيرتك قد أقدم على اقتراف جريمة حمقاء لدوافع تغلب عليها التفاهة في كثير من الحالات، لا علاقة لك بها من قريب أو بعيد، وليس لك فيها ناقة أو جمل!
وفق المنطق العشائري السائد، أنت مجبر أحياناً على أن تصبح فجأة شريكاً كامل المسؤولية في جريمة لم تسمع عنها إلا من الصحف؛ وأن تصبح عرضة لأن تُعاقب بذات العقاب المروع الذي قد يواجهه المجرم نفسه! فأي عقلية هذه التي يمكن أن تقر بذلك المنطق السقيم، الذي يتشبث البعض به تشبث العتل "أبي جهل" بعبادة أوثانه الصخرية!؟
إن ذلك المنطق الأعوج يتناقض تماماً مع تعاليم ديننا الحنيف، الذي يبدو أننا ننتمي إليه بالاسم فقط، دون أي التزام جدي يفرضه ذلك الانتماء! فديننا يؤكد أنه "لا تزر وازرة وزر أخرى"، وأن "كل نفس بما كسبت رهينة"، وأن للناس في القصاص العادل والحازم الذي ينبغي أن تتولاه الحكومة لا العامة من الغوغاء حياة وعبرة!
وهو يتعارض على نحو صارخ مع شرعة حقوق الإنسان، التي لا تقر حتماً بتعرض زيد وذويه للأذى والتنكيل بسبب جريمة ارتكبها قريبه الأرعن عمرو!
وهو يتجافى كلياً مع كل القوانين الوضعية التي تشدد على المسؤولية الفردية، وتحرّم أخذ إنسان بريء بجريرة غيره، فكيف بمؤاخذة وأخذ عشيرة كاملة بجريرة فعل منكر لأحد أعضائها السفهاء!
وهو ينسف فوق رؤوسنا كل مزاعم الرقي والمدنية والتحضر التي نتشدق بأننا وصلنا إليها؛ إذ لا يعبر إلا عن انغماسنا المخزي في ممارسات ديناصورية بائدة، ربما لا تليق حتى بإنسان ما قبل العصر الحجري!
وهو يزري بكل الشهادات العلمية التي نتفاخر بها ونعلقها على جدران غرف الاستقبال في بيوتنا، فالعلم ليس أوراقاً نتجمل بها أمام الناس، بل هو سلوك عقلاني ورشيد ومتحضر!
العشيرة فيما نتصور، حسب ما تمليه التعاليم الدينية والقيم الأخلاقية والقواعد القانونية، ينبغي أن تكون وحسب حاضنة وحاميةً لقيم العدالة والنبل والمروءة والالتزام والمسؤولية والانضباط، لا متواطئة مع الشيطان للدفاع عن قيم التعصب والتظالم والاستهتار والانسياق القطيعي الأعمى خلف الغضب. فإذا أقدم ابن إحدى العشائر على انتهاك القانون، فإن على عشيرته أن تسارع إلى التبرؤ من فعلته وتسليمه بيدها إلى الجهات الرسمية القائمة على إحقاق الحق وتنفيذ العدالة، حتى ينال قصاصه الرادع؛ ما يقطع الطريق مباشرة على الأصوات الهمجية الداعية إلى الانتقام وأخذ الثأر باليد، لا أن تحامي عنه بعقلية العصبية الجاهلية، وتبدو مستعدة للتورط في إشعال داحس وغبراء جديدة من أجله، وهو ليس بأكثر من مجرم آثم.
وهنا ينبغي التنويه إلى ضرورة إعادة النظر جدياً وجذرياً في المنظومة القانونية السائدة؛ إذ إن علينا الاعتراف بأن كثيراً من القوانين المطبقة لا ترتقي إلى الدرجة المطلوبة من العدالة والحزم والشدة والقدرة على الضبط والردع؛ ما يغري الناس بالاستهتار بها والتطاول عليها، والاندفاع إلى تطبيق تشريعاتهم البدائية الخاصة بديلاً عنها.
بعض المفاهيم الرجعية في البنية العشائرية باتت عبئاً حقيقياً على مجتمعنا الساعي إلى التقدم، الذي يستحق أن نعمل جاهدين على تطهيره من عوالق التخلف، وتحريره من قيود التعصب المنتن.
فمتى تبادر الدولة إلى إثبات أنها دولة متحضرة يحكمها القانون العادل والمؤسسات الرشيدة، تنتمي بالفعل إلى القرن الحادي والعشرين وتستحق العيش فيه، بعيداً عن الرضوخ إلى أعراف ظلامية مظلمة لا يمكن تبرير استمرار هيمنتها في مجتمع عصري يحترم نفسه!؟
وهل يسبق شيوخ عشائرنا الموقرة الدولة فيسارعون إلى إثبات أنهم يتحلون بالوعي والشجاعة الأدبية والأخلاقية لوضع حد نهائي للمفاهيم الجاهلية التي تشوه القيم العشائرية النبيلة، تلك المفاهيم التي تتحمل قدراً كبيراً من مسؤولية إخراج مسلسل العنف العشائري القبيح، هذا الذي بتنا ننام ونصحو على مشاهدته، وكأنه كابوس حقيقي لا يريد أن ينتهي!؟
sulimankhy@gmail.com
السعودية: تجميد 820 ألف أضحية بتقنيات حديثة لحين توزيعها
الجيش الإيراني يبدأ سلسلة مناورات عسكرية مفاجئة
13.9 ألف شيك مرتجع خلال أيار بقيمة 93 مليون دينار
ارتفاع حوالات الأردنيين من الخارج بنسبة 3%
تحطم طائرة ركاب هندية على متنها أكثر من 130 شخصا .. تفاصيل
شراكة لتعزيز دور المراكز الشبابية في التنمية
ارتفاع الدخل السياحي بنسبة 17.5% في أيار 2025
افتتاح معرض طوابع البريد العربي 2025
إسرائيل تخطر بهدم 30 محلا ومنشأة تجارية جنوب الخليل
للأردنيين .. تحذيرات هامة من الأمن العام
فيفا يمنح الأردن 10.5 مليون دولار بعد التأهل إلى كأس العالم 2026
التربية تدعو معلمين لحضور الاختبار التنافسي الالكتروني
تنفيذ قرار زيادة الحد الأدنى لأجور المتقاعدين العسكريين
الملك والملكة يصلان إلى الملعب لمؤازرة النشامى
كتلة هوائية حارة قادمة للمملكة من الجزيرة العربية .. تفاصيل
ماذا يشغل الأردنيين على مواقع التواصل اليوم
موعد مباراة الأردن أمام العراق والقنوات الناقلة
زيت الزيتون أم زيت الأفوكادو .. أيهما الأفضل لصحتك
الملكة للملك: كيف لا أستند إلى قلبك ووطن بأكمله يستند إليك
ولي العهد يشكر سلطنة عُمان على كرم الضيافة وروحهم الرياضية
الملكة رانيا تشارك صورة عائلية احتفالاً بالعيد
الفايز يهنئ المنتخب الوطني تأهله لمونديال كأس العالم لكرة القدم