العشائرية وقيم الموت .. مرة أخرى!
د. خالد سليمان
أثار مقالي المعنون "العشائرية وقيم الموت" عدداً من التعقيبات، منها الودودة المؤيدة، ومنها الساخطة المعارضة، التي وصل بعضها حد الشتم والتشكيك بدوافعي وأغراضي من كتابة المقال، وهذا شيء متوقع إذا أردتم الحق، فبعض القراء الأفاضل في كل زمان ومكان لا يتمتعون بفضائل الصبر والحلم وسعة الصدر بصورة كافية، فيسارعون إلى تفعيل آليات الاتهام والتشكيك وتقويل الكاتب ما لم يقله، ربما دون استيعاب ما جاء في المقال، أو حتى دون الانتهاء من قراءته! لذلك وجدت أن من واجبي إعادة تأكيد بعض النقاط، التي لم تصل لبعض الإخوة بالمعنى الذي قصدته، بالرغم من وضوحها فيما أظن!
ابتداءً، الإشارة إلى أن كل الأردنيين على اختلاف أصولهم ومنابتهم هم أبناء عشائر بالضرورة جاءت لقطع الطريق على المغرمين بالمزوادة، فعندما ينتقد المرء ما في العشائرية من مظاهر سلبية ومفاهيم رجعية وسلوكيات متخلفة فإنه لا ينتقد مفهوم العشيرة نفسه، والتفريق هنا بين الجانبين محوري وبالغ الأهمية؛ إذ لا يمكن للمرء وهو ابن عشيرة حتماً ـ اللهم إلا إذا كان البعض يفترض بأن الناس يهبطون فجأة إلى الأرض من الفضاء الخارجي من غير جذور ـ أن ينتقد وجود هذه الجماعة الطيبة التي احتضنت وجوده، إلا إذا كان مخلوقاً ساقطاً عديم الوفاء، لا يستحق شرف الانتماء إلى تلك الحاضنة التي يحمل اسمها!
غير أن علينا الاعتراف أن بعض المفاهيم في البنية العشائرية هي بمثابة الخلايا السرطانية الدخيلة على جسم صحيح نقي، التي تحتاج إلى إزالة وتدمير، وإلا دمرت الجسد الطاهر كله! لا أحد يماري في أن العشائرية لطالما حامت عن قيم إيجابية بالغة النبل والسمو والرقي، إلا أنها تورطت أيضاً مع الأسف الشديد في الدفاع عن قيم بائسة ظالمة لا يرضى بها عقل سوي نبيل، فأن يضار أحد بسبب جرم اقترفه قريب له أمر يتناقض تماماً مع كل منطق قويم، دينياً وأخلاقياً وقانونياً، ومن يقول بغير هذا، فإنه في حاجة ماسة وعاجلة إلى مراجعة منطلقاته الفكرية والأخلاقية!
أما الإشارة إلى بعض أوزان أسماء العشائر كأمثلة، والتنويه بتداخل أصول العشائر تاريخياً وامتزاجها مع بعضها البعض على نحو وثيق، وارتداد كثير منها إلى عشائر عربية أخرى ما تزال تقيم في بقاع عربية مترامية، ربما بأسماء مختلفة، وهو ما لا يقصد منه قطعاً الطعن في أصالة تلك العشائر ونبل محتدها؛ فقد جاء لتذكير بعض الإخوة بأن لهم أقارب وأبناء عمومة وخؤولة هنا وهناك على امتداد الأرض العربية، وأن بعض العشائر التي قد يتورطون في معاداتها وازدراء شأنها كثيراً ما تشتبك معهم في الانتماء إلى أصول واحدة، وأنه مما يجافي العدالة والعقل والموضوعية النظر إلى بعض الأردنيين نظرة دونية مشككة كما لو كانوا كائنات بلا أصول، لمجرد ان أسماء عشائرهم لا تلتقي مع الأوزان الشائعة لأسماء العشائر!
أيام الجاهلية السوداء، كان الناس أسرى التعصب والتفاخر الفارغ بالأصول والأنساب، وهو ما كان يوغر الصدور ويجعل المجال مفتوحاً دائماً لتفجر الأحقاد واشتعال الصراعات. فأكرم الله الناس بالإسلام، الذي سارع إلى نبذ تلك الممارسات السفيهة، التي وصفها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بأنها "منتنة"، مؤكداً بأنه لا فضل لإنسان على آخر إلا بالتقوى. وهذا يعني بأن التفاخر بالعشيرة قد يدخل أحياناً في باب استعادة مفاهيم جاهلية ممجوجة ومنهي عنها. ونذكّر هنا مجدداً بأنه لا فضل لأحد في انتمائه إلى هذه العشيرة أو تلك، إلا إذا تطوع أحد الإخوة الكرام ـ مشكوراً ـ وأثبت لنا بأنه قد قام باتخاذ الترتيبات اللازمة التي ضمنت ولادته في عشيرة معينة!
إننا لا نلغي بكل تأكيد حق كل امرئ في الاعتزاز بأهله وقومه، بل إن ذلك مما يجدر الحث عليه؛ إذ لا يتنكر لأهله إلا لئيم! لكن ذلك الاعتزاز لا ينبغي أن ينجرف بصاحبه إلى حدود الكبر والغرور والعُجب والتحيز الأعمى، فالناس جميهم من آدم، وخير الناس أنفعهم للناس، دون مزوادة أو تعصب.
من جانب آخر، وحسبما نعلم، فإن المجتمعات الرشيدة العاقلة الساعية للتقدم تدير شؤونها بمنطق الفعل لا بمنطق رد الفعل، فتحرص على معالجة أسباب الاختلالات الاجتماعية وجذورها، وليس الاكتفاء بمحاولة التعامل مع أعراضها ومظاهرها. إزاء هذه الحقيقة، يبدو انتظار شيوخ عشائرنا الموقرة حدوث النزاعات العشائرية حتى يسارعوا إلى التدخل أمراً يثير الرثاء وقد يبعث على التندر كما رأينا في بعض الرسوم الكاريكاتورية التي تناولت المشكلات العشائرية مؤخراً؛ إذ لم يعد المساكين يجدون الوقت لمجرد التواجد في "الجاهات" التي تلتئم بغية حل مثل تلك النزاعات، وذلك لكثافتها المقلقة في الآونة الأخيرة.
الأولى والأجدى والأنجع والأعقل أن يجتمع شيوخ عشائرنا العزيزة، من شتى المنابت والأصول، والذين نكن لهم ولعشائرهم كل الاحترام والتقدير، ليقرروا وضع حد نهائي وحاسم للأسباب التي تقف خلف اشتعال النزاعات العشائرية التي تسيء إلينا جميعاً، تلك الأسباب التي تكمن في مفاهيم رجعية نشبهها ثانية بالخلايا السرطانية، التي تحتاج إلى ملاحقة وتصفية، دون أن يعني ذلك على الإطلاق المساس بما في المنظومة العشائرية من قيم التكافل والتعاون والمروءة ونصرة الحق والأمر بالمعروف والحث على الخير...الخ، التي تحتاج بدورها إلى كل دعم وتعزيز.
وأخيراً نقول: الأردن لكل مواطنيه، وهذه القاعدة العقلانية والدستورية والإنسانية المنصفة هي ما ينبغي أن يوجه نظرتنا ويؤطر تعاملنا مع الأمور إذا ما حكّمنا بواعث العدالة والنزاهة والموضوعية الكامنة فينا. ربما يكون أجداد أحدهم قد استقروا في الأردن قبل حقب بعيدة تعود إلى ما قبل تدوين التاريخ، وربما يكون أجداد آخر قد حلوا فيه قبل عدة عقود قليلة، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يشكل مدعاةً لتفاخر الأول على الثاني واستكباره عليه، أو ادعائه بأنه الابن الحقيقي الوحيد المخلص للبلد، وأن الآخر ليس أكثر من دخيل طارئ! إن مكانة المواطن لا ينبغي أن تتحدد في واقع الأمر إلا تبعاً لما يقدمه بالفعل من خدمات لوطنه ومواطنيه، وليس بتمترسه خلف اسم عشيرته أو تراث أجداده. فالأردن قام وما يزال على أكتاف ملايين الرجال والنساء الشرفاء، الذين نعتز بهم ونستحضر وجوههم البهية، لا بوصفهم يرجعون في أصولهم إلى الكرك أو القدس أو السلط أو الخليل أو إربد أو الحجاز أو دمشق أو بغداد أو القفقاز...الخ، بل باعتبارهم سواعد أردنية نبيلة تآخت وتكاتفت لبناء نهضة هذا البلد، الذي يحتضن عشيرة كبيرة واحدة، لا يجوز أبداً أن تفرقها أو تشوهها قيم جاهلية يغذيها التعصب البغيض.
sulimankhy@gmail.com
تحطم طائرة ركاب هندية على متنها أكثر من 130 شخصا .. تفاصيل
شراكة لتعزيز دور المراكز الشبابية في التنمية
ارتفاع الدخل السياحي بنسبة 17.5% في أيار 2025
افتتاح معرض طوابع البريد العربي 2025
إسرائيل تخطر بهدم 30 محلا ومنشأة تجارية جنوب الخليل
إغلاق محيط جسر المحطة بشارع الجيش لتوسعة وتطوير المنطقة
مقاومة عالمية ضد الظلم العالمي
الاحتلال يعلن اختطاف عناصر من حماس من داخل سوريا
صناعة الأردن تصدر دليلا استرشاديا ماليا للقطاع الصناعي
للأردنيين .. تحذيرات هامة من الأمن العام
فيفا يمنح الأردن 10.5 مليون دولار بعد التأهل إلى كأس العالم 2026
التربية تدعو معلمين لحضور الاختبار التنافسي الالكتروني
تنفيذ قرار زيادة الحد الأدنى لأجور المتقاعدين العسكريين
الملك والملكة يصلان إلى الملعب لمؤازرة النشامى
كتلة هوائية حارة قادمة للمملكة من الجزيرة العربية .. تفاصيل
ماذا يشغل الأردنيين على مواقع التواصل اليوم
موعد مباراة الأردن أمام العراق والقنوات الناقلة
زيت الزيتون أم زيت الأفوكادو .. أيهما الأفضل لصحتك
الملكة للملك: كيف لا أستند إلى قلبك ووطن بأكمله يستند إليك
ولي العهد يشكر سلطنة عُمان على كرم الضيافة وروحهم الرياضية
الملكة رانيا تشارك صورة عائلية احتفالاً بالعيد
الفايز يهنئ المنتخب الوطني تأهله لمونديال كأس العالم لكرة القدم