مسؤول بلا مكتب

mainThumb

13-10-2009 12:00 AM

موسى إبراهيم أبو رياش
 
إنّ?Z وجود كرسي في المكتب ضروري كي يجلس عليه الموظف لإنجاز عمله، إذ لا يعقل أن يبقى الموظف واقفاً طوال اليوم، أي أنّ?Z المكتب والكرسي مرتبطان بالعمل المكلف به هذا الموظف دون غيره، بينما نلاحظ أنّ?Z بعض الموظفين أو العمال لا يُخصص لهم مكاتب أو كراسي لأنّ?Z وجودها لا يتلاءم والعمل المناط به، مثل عامل الزراعة، الفران، عامل الوطن، المراسل، الجابي، ... وغيرهم كثير.

وكم تساءلت عن جدوى وجود مكتب للمسؤول الأول في الدائرة؟ وما نفعه، وما الوظيفة التي يؤديها؟

أستطيع أن أحصي لكم بعضاً منها دون حصر ومنها: استقبال الضيوف والمحاسيب والأصدقاء، توفير مكان مناسب للواسطات والجاهات، تخصيص مكان للراحة والبعد عن المراجعين بحجة وجود اجتماع أو مكالمة هامة من مسؤول أعلى، توفير ملاذ آمن لمتابعة المحطات الفضائية وتصفح الإنترنت وطق الحنك بكل أريحية، إشباع الرغبة في الظهور والتعالي على خلق الله، وما خفي بالطبع كان أعظم!!

لم أقتنع يوماً بضرورة وجود مكتب لأي مسؤول يحتل الصدارة في دائرته، لأن وظيفة هذه المسؤول هي قيادية بالدرجة الأولى، ومن متطلباتها التواجد الدائم في مكاتب الدائرة وتوابعها ومشاريعها، ولا يحتاج المسؤول الأول إلى مكتب مستقل، فالتوقيع على المعاملات يمكن أن يتم في أي مكان وبالضرورة يتم في المكتب أو القسم المسؤول عن المعاملة، أما دراسة المشاريع فهي غير مناطة بالمسؤول الأول وحده، فهناك لجان وأقسام مسؤولة عن الأمر، وما على المسؤول إلا القرار وحسم الأمر، وهذا يفترض أن يتم أيضاً في القسم المختص أو في قاعة الاجتماعات في الدائرة.

ما أود أن أصل إليه، أن تخصيص مكتب خاص للمسؤول الأول يهدف غالباً إلى حجب هذا المسؤول عن واقع الدائرة وإبعاده عن مشاكلها ومراجعيها، وانتظار المسؤول من أجل توقيع سواء لمعاملة مراجع أو معاملة داخلية خاصة بالدائرة، وكل ما سبق يؤدي إلى شيوع بيروقراطية قاتلة في العمل، وتأخير متعمد للمصالح المختلفة، وتبرير للأخطاء، واستيلاد للمشاكل والصعوبات.

تصوروا معي مسؤولاً دون مكتب يقضي يومه بين الأقسام المختلفة، يراقب سير العمل، ويوقع أي معاملة فور صدورها دون تأخير، ويقوم بحل أي مشكلة قبل أن تتفاقم بل يمكن أن يتداركها قبل أن تحدث، ويتابع معاملات المراجعين، ويسيرها دون إبطاء، ويقوم بجولات ميدانية في مشاريع الدائرة إن وجدت، ويزور توابع الدائرة في كافة الأماكن إن كان لها توابع، ولا يكاد ينتهي دوام الدائرة إلا وقد انتهى العمل دون أي تأخير أو تأجيل أو مماطلة.

ومن فوائد هذا النمط الإداري متابعة دوام الموظفين، ولا أظن موظفاً يجرؤ أن يتأخر أو يتغيب دون سبب أو يغادر دون عذر أو يتسكع هنا وهناك دون مبرر، أو يماطل في معاملة، أو يتلكأ في أداء واجب، ومن هنا يستطيع المسؤول أن يصنف موظفيه حسب كفاءتهم وقدراتهم وإنجازاتهم دون أية حواجز أو تكهنات أو تدخلات.

وبهذا النمط سيكون المسؤول قادراً على التفكير بحلول واقعية لمشاكل العمل، والتفكير في إجراءات أسرع وأقصر، والتقدم بمبادرات إبداعية تهدف إلى رفع سوية العمل وتطوير الدائرة، وإعادة النظر في أقسام الدائرة وأعداد موظفيها وسعة مكاتبها واحتياجاتها وكل ما يلزمها.

في بعض المدارس يمنع وجود كرسي للمعلم داخل الغرفة الصفية كي يؤدي عمله ولا يفكر بالجلوس، وبغض النظر عن جدوى هذا الأمر فإنه يتضمن هدفاً نبيلاً سامياً، ولو عممنا هذا الأسلوب على جميع المسؤولين لتغيرت أمور كثيرة، خاصة ونحن نتعامل مع بعض المسؤولين الذين يمكثون في مناصبهم سنوات طويلة ولا يعرفون معظم أقسام دوائرهم ومكاتبها وموظفيها، بل لا يكاد بعض المسؤولين يخرج من مكتبه، تخيلاً منه أن من متطلبات الوظيفة أن يبقى متسمراً في مكتبه كصنم يُؤتى إليه ولا يذهب إلى أحد.

تصوروا وزيراً دون مكتب يزور كل يوم إحدى المديريات ويتابع أعمالها ويعمل على حل مشاكلها، ويوصي بتغيير هنا وتعديل هناك، ويستمع إلى الموظفين والمراجعين على أرض الواقع، ولا يؤجل أي مشكلة، ولا يطلب أن ترفع القضايا والمطالب خطياً ليتعامل معها مركزياً كما جرت العادة، وغالباً تغيب في أدراج المكاتب دون متابعة.

وتصوروا أيضاً رئيس الوزراء دون أي مكتب، يقضي أيامه في الوزارات وبين الناس ومعهم، ويزور المناطق والمرافق الحيوية، ويتابع شؤونها، ويطمأن على سير العمل وسلاسته، ويوعز بحل أي مشكلة موجودة، ويوصي بإجراءات فورية لأي قضية يراها مناسبة لتطوير الأداء.

وبالإضافة إلى فائدة هذا النمط الإداري المتقدم، فهو يوفر على الميزانية نفقات تجديد المكاتب وتأثيثها وتغييرها عند كل تغيير وزاري أو حسب رغبة المسؤول ومزاج زوجته أو سكرتيرته، أو تغيير الأثاث ليتوافق مع ملابسه أو ملابس أصحاب الدالة عليه ظاهراً وباطناً.

الإدارة بحاجة إلى تغيير في الأنماط والسلوكات لتكون إدارة منتجة فاعلة، وظني أن الإدارة المتحركة هي الإدارة الأقدر على التغيير والإنتاج والتطوير والإنجاز والتطوير والإبداع.

دعونا نجرب نمط الإدارة المتحركة، وإغلاق مكتب المسؤول الأول، ولتكن النتائج هي الحكم، وأعتقد أن النتائج ستكون باهرة وأفضل مما نظن ونتخيل.

ولكن صدقوني ... كل ما أخشاه أن يبلغ الخبث ببعضهم والتحايل على الأنظمة والقوانين والتعليمات بوضع مكاتب لهم في كل قسم، لتكون تحت أمرهم عندما يشرفونها بطلتهم البهية، وعندها ستكون الكارثة كبيرة، والخسائر مضاعفة!! وعليه ... أسحب اقتراحي وكفى الله المؤمنين شر القتال!!!

mosa2x@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد